أهمية أن تكون جادا وأهمية أن تؤذن في ماطا
بقلم : بدرالدين حسن علي
هناك مسرحية شهيرة في تاريخ الأدب
المسرحي بعنوان " أهمية أن تكون إرنست " أو " أهمية أن تكون جادا
" The Importance of Being Earnest للكاتب المسرحي البريطاني أوسكار وايلد ، والتي
ألفها عام 1890 ليقدمها المسرح الإنكليزي منذ ذلك العام عددا لا يحصى من المرات ثم
تتحول المسرحية إلى فيلم سينمائي .
لا أريد أن أتطرق للمسرحية ولا
للفيلم رغم أن الموضوع شيق جدا ودرسناه بتفاصيله المملة ، الموضوع باختصار شديد
يمكن أن نسميه الكوميديا الرومانسية ، وقد جذبني عنوان المسرحية فاتخذته عنوانا
لمقالي هذا لكني أقحمت فيه مسألة " الآذان في ماطا "
وما زلت إلى اليوم أسائل نفسي بعد أن أكتب : هل سيقرأون هذا الذي كتبت ؟ لا
توجد عندي إجابة حاسمة ولست معنيا بهذا ولا أهتم به ، مهمتي أن أكتب وأن أراجع ما
أكتب وأن أحترم من أكتب له . الكتابة ليست
عملا سهلا ، إنها عمل مرهق جدا ، إنها تتطلب الكثير من الثقافة والعلم وحسن
الأخلاق والأمانة ووو إلخ ، وأحسب أني أبذل ما في وسعي في مجال الكتابة ، طبعا يهمني جدا أن أكتب بشكل جيد ويهمني جدا
أن أكتب شيئا مفيدا للقاريء ، وأصدقكم القول أني مزقت الكثير مما أكتب لعدم قناعتي
به فيكون مصيره سلة المهملات ، من السهل أن تكتب ومن الصعب جدا أن تكتب ، الكتابة
ليست سياحة أو الوصول إلى مجد وشهرة ، الكتابة مسؤولية والإلتزام فيها أمر مهم جدا
، إذا كتبت ونشرت فذلك يعني أنك وثقت
فاحذر عندما تكتب وعندما تنشر ، صحيح أن الكتابة قد توجد لك أصدقاء ولكنها أيضا
توجد لك أعداء وأصدقكم القول مرة ثانية لي
أصدقاء يحتفون بكتاباتي وعندي أعداء " بالهبل " أكاد أعرفهم واحدا واحدا
، فردا فردا " المشكلة فقط التي
تحيرني لماذا أصدقائي وجوههم نيرةوعيونهم عسلية ونفوسهم صافية وقلوبهم بيضاء
، وأن أعدائي وجوههم قميئة وعيونهم " حمرا " وقلوبهم سوداء حاقدة حاسدة لا يعجبها العجب ولا
الصيام في رجب ، يهمها فقط أن تلوك سيرة من يكتب واتهامه بالجهل وتوجيه الشتيمة له ، دون أن يتكبد مشقة السؤال
كيف استطاع هذا الكاتب أن يكتب رغم صعوبة الكتابة ، ويهمهم أيضا أن لا تكتب مدحا عن من يكرهونه .
أذكر أني قرأت كتاب فرج فودة
"نكون أو لا نكون " ، قبل عملية إغتياله الشهيرة ، وقبلها قرأت مسرحية
الكاتب الكبير وليام شكسبير " هاملت " وفيها يقول هاملت "To Be Or Not To Be " نكون أو لا نكون
" وأظن أننا الآن في عصر " نكون أو لا نكون " أقصد أننا في عصر
التنوير من خلال ما نقرأ ، خاصة للكتاب الكبار أمثال " بدون ترتيب " : عبدالله
علي ابراهيم ، جمال محمد ابراهيم ، فتحي الضو ابراهيم ، كمال الجزولي ابراهيم ، د.
حيدر ابراهيم ، د. علي حمد ابراهيم ، الكرسني ابراهيم ، سيف الدولة حمدنالله
ابراهيم وسعد الدين ابراهيم .
منذ أن إنخرطت في
الكتابة قبل 46 عاما واجهتني الكثير جدا من المشاكل ، ودفعت ضريبة الكتابة عن
قناعة ، وفي كل مرة أدفع فيها ثمنا أزداد إستهزاء بأعدائي حتى لو كانوا يجيئون إلى
داري كل يوم ، وكثيرا ما يحدث هذا ، فالكثير من خلق الله يريدون منك أن تكتب شيئا
حسنا عنهم وأنت غير مقتنع به ، ما نزال نعاني من الرأي والرأي الآخر ، من النقد
والنقد الذاتي ، معظمه شعارات براقة طنانة ، ولذا آثرت على نفسي منذ قديم الزمان
أن أعمل بما قاله أبو الطيب المتنبي : أنام ملء جفوني عن شواردها ويسهر الخلق
جراها ويختصم ، وربما أكون الكاتب الوحيد الذي لا يقرا ما كتب بعد نشره إلا في
حالة التنبيه لخطأ ما .
وقطعا خلال ال 46 عاما
تعلمت الكثير والكثير جدا ولا داعي لذكره ولكني أصر دائما على تشجيع كل من يكتب لأني بدأت بالتشجيع
على ما أكتب ، هذه واحدة أما الثانية أشكر كل من يتصل بي سواء ثناء أو نقدا
وأقولها بالفم المليان صدري واسع جدا لكي أستمع .
كتبت الكثير في الصحف السودانية والعربية
والعالمية أيضا ، وكتبت في الكثير من المواقع الإلكترونية ، كتبت بمقابل مادي
وبدون ، وفي كل الصحف والمواقع التي كتبت فيها تعلمت الكثير ، انا ممتن لما أعطتني إياه الكتابة فقد كان
مسارها سخياً
معي بشكل كبير. أعطتني معارف وصداقات وعلاقات انسانية
هائلة أعتز بها كما يعتز بها الكثيرون ، لم يحدث أن خذلتني الكتابة ، ولم أكن يوما جاحدا معها ، أحترم الكتابة جدا ،
وأقرأ بتمعن شديد ، الكتابة جعلتني مدافعا صلبا عن المظلومين ، معلمي
الأول كان والدي ، وقاريء الأول كان والدي
.
أكتب لجميع الناس ، أكتب
بالشرائح الزجاجية ، أحيانا كوميديا وأحيانا تراجيديا ،كل
هدفي التحريض على الكتابة بالقراءة
والقراءة ثم القراءة. . هناك فرق بين الكتابة الراسخة الرزينة الهادفة والخواطر ، الخواطر المتروكة على عواهنها دون تهذيب قد
تتمخض عن كاتب عادي أو محرر في صحيفة مهملة، لكنها لا تخلق كاتبا مبدعاً ولا كتابة
مبدعة ، الكتابة التي لا تتميز بميزة ما، قصيرة العمر، سريعة الاندثار قليلة
التأثير أو عديمة الأثر، والشعر الحلمنتيش لا يمكن أن يخلق شاعرا وأقصى ما يستطيع
أن يخلق مهرجا أراجوزا هدفه إضحاك الناس .
الموهوبون فقط في الكتابة قادرون على تفجير المفردة وإعادة تركيبها بشحن الكلمة لتعبر عن جملة، وتكثيف الجملة لتعوض عن مقال، وإغناء المقال ليغني عن كتاب.
في فؤاد الكاتب المبدع حب للغة يبلغ درجة العشق والوله. بين جوانحه عفوية طفل ودهشته وتلقائيته وصدقه ومشاكسته أيضا، مضافاً إليها معرفة شيخ وحكمة مجرب وصبر حكيم.
الموهوبون فقط في الكتابة قادرون على تفجير المفردة وإعادة تركيبها بشحن الكلمة لتعبر عن جملة، وتكثيف الجملة لتعوض عن مقال، وإغناء المقال ليغني عن كتاب.
في فؤاد الكاتب المبدع حب للغة يبلغ درجة العشق والوله. بين جوانحه عفوية طفل ودهشته وتلقائيته وصدقه ومشاكسته أيضا، مضافاً إليها معرفة شيخ وحكمة مجرب وصبر حكيم.
فلماذا يصر
البعض على أن يكتب كلاما تافها وغير محترم ؟ وهل من الضروري أن يكتب كل الناس ؟ أو
معظم الناس ؟ لماذا لا نقرأ ؟ لماذا لا نقرأ لغيرنا ونستمتع به ؟ لماذا كل من هب
ودب يكتب ؟ لماذا نسود الصفحات بحبر أسود لا يسمن ولا يغني من جوع ؟لماذا عندما
يكتب البعض يكشفون عن عبطهم وعوراتهم أيضا ؟ لماذا ؟ القاريء ذكي جدا ويفهم أكثر من بعض الكتاب ؟ لماذا يقرر قاريء
ما ألا يقرأ لكاتب ما ؟ وهناك فرق بين قاريء سطحي وقاريء متمعن ذكي ! الكتابة ليست
سلق بيض وبيع طماطم ، إن أول ما نزل من القرآن كلمة إقرأ "
وليس كلمة أكتب " وفي الإنجيل " في البدء كانت الكلمة " قرأت مرة ما نسب للرسول الكريم" ص" ولعلي
بن أبي طالب –كرم الله وجهه – ما أتى الله أحدا علما إلا أخذ الميثاق ألا يكتمه
أحد " لذا باعتقادي كما قال ابراهيم المازني في كتابه " حصاد الهشيم
" يجب أن يكون الكاتب صريحا جريئا يقتحم على الناس بآرائه ولا يبالي من وحتى
ممن سخط منهم وعليهم ، الذين لا يروق لهم
أن يرون كلامه مطبوعا " وبالطبع استمرارا لهذا الحديث مازال البعض يعيش في
العصر الحجري ويدعي المعرفة وعلم الكتابة ، والمشكلة أن بعض القراء يظنون أن ما
يقرأون موجه ضدهم شخصيا بينما الكاتب يكتب لعامة الناس .
ومع ذلك – للأسف
- يبدو أني أؤذن في مالطا !!!
..
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق