السبت، 29 سبتمبر 2012

فيلم في بيتنا رجل

في بيتنا رجل


بقلم : بدرالدين حسن علي



بركات يربط بين الرومانسية والواقعية في فيلم وطني

يظل فيلم " في بيتنا رجل " علامة بارزة في تاريخ السينما المصرية ومن أشهر أفلام المخرج الكبير بركات الذي أخرجه عام 1961 عن قصة الكاتب الكبير إحسان عبدالقدوس وبطولة زبيدة ثروت وعمر الشريف وحسين رياض وحسن يوسف ورشدي أباظة .

وتتلخص أحداث الفيلم في قيام إبراهيم بإغتيال رئيس الوزراء فيقبض عليه ويودع في مستشفى السجن ثم يهرب ويلجأ للإختباء عند زميله محي زاهر فهو بعيد عن شبهات الشرطة ، وأسرة زاهر من الطبقة المتوسطة ، فهو موظف ليست له أية إهتمامات سياسية ، ويحس رب الأسرة زاهر أن الشاب ليس مجرما إنما هو وطني فيوفق أبناء الأسرة على إيوائه ، ويزورهم فجاة عبدالحميد الذي يحب إبنة عمه ويريد أن يتزوجها ، فيكتشف وجود إبراهيم ، ثم يترك إبراهيم منزل زاهر حتى لا يورطه في المشاكل ، ويعد له زملاؤه خطة لمغادرة البلاد ، وفي آخر لحظة يعدل عن السفر ويعاود نشاطه الفدائي مع زملائه .

إنها قصة ذات مذاق خاص جدا من قصص إحسان عبدالقدوس بعيدا من الجنس والإثارة التي إعتاد أن يغلفها في أحداث رواياته ، وتعزف على الوتر الوطني برقة وتمكن ، وتضع أمامنا شخصيات من الطبقة الوسطى قريبة إلى الأجواء الشعبية وهي أجواء لم يحاول الكاتب الكبير أن يرسمها كثيرا في رواياته – نابضة بالحياة .

ومن خلال ثائر على الإحتلال الإنكليزي قام بعدة عمليات فدائية جعلت البوليس يطارده إلى بيت أسرة صديقة يطلب الإختفاء فيه ريثما يجد لنفسه ملجأ آخر ، وينسج الفيلم خيوطه الرقيقة ليقول أشياء كثيرة بكثير من الذكاء والتعاطف والفهم العميق للطبيعة المصرية والقلب البشري .

وبركات في هذا الفيلم الذي يعتبر من أجود أفلامه على الإطلاق يربط بين الرومانسية التي أشتهرت عنه وبرهن عليها بقوة من خلال أفلامه السابقة وبين الوقعية الصرفة التي تتحول لديه إلى شاعرية مليئة بالشجن والحنان ، إنه يربط بمهارة الجراح بين شريان الوطنية وشريان القلب ويجعل الدم يتدفق حارا نشوانا في عروقنا ، يجعلنا نعايش أيام وليالي هذه الأسرة وموقفها ولا ننسى لحظة واحدة خلال الشهر الفضيل وكرمه وقدسيته التي تهيمن على تصرفات الجميع وتعكسها بطريقة من الطرق .

إكتشاف الحب والوطن والمواجهة في قلب كل فرد من أفراد هذه الأسرة التي تفجرت بعد وصول الثائر إلى بيتهم الشرقي ذو المشربيات الخشبية .

وعمر الشريف في هذا الفيلم يقدم واحدا من أجمل أدواره ، بل ربما أجمل أدواره كلها التي مثلها للسينما المصرية ، يتألق إلى جانبه مجموعة فذة من الممثلين ، يظهر بينها رشدي أباظة ممثلا ذو حضور وشخصية طاغية يلعب بنا المخرج والسيناريو حول الهالة الغامضة التي تحيط بشخصية رسمت ببراعة كشخصية البطل الرئيسي وكبقية الشخصيات كلها التي جعلها بركات تنبض حياة وحنانا وشوقا وعذابا وكبرياء .

فيلم " في بيتنا رجل " مثال مدهش لفيلم سياسي يقول الكثير دون صراخ ويفجر أكثر من موضوع دون إفتعال أو تشنج ، فيلم يقول أن في شرايينا تجري دماء الوطن ودماء العشق ودماء المسؤولية ، وأن هذه الدماء إختلطت كلها ببعضها فلم نعد نميز بينها سوى أنها ظلت تلك الدماء التي تتفجر كبرياء وحزنا وضياء .





©



الاثنين، 24 سبتمبر 2012

علدما تبكي السينما


عتدما تبكي السينما

بقلم : بدرالدين حسن علي

الوضع في سوريا غريب جدا ، يكاد يوصف " مكانك قف" ، فبالرغم من موت الآلاف في الحرب بين الحكومة والمعارضة السورية إلى جانب إنشقاقات المسؤولين السوريين إلا أن العالم لم يستطع فعل شيء سوى إرسال المزيد من الوسطاء لإيجاد مخرج للأزمة السورية ، الموت في سوريا أصبح من أسهل الأشياء وبالمجان ، وكل فريق يتهم الآخر .

أنجلينا جولي الممثلة السينمائية المرموقة زارت الأردن والتقت بلاجئين سوريين في مخيم بالاردن وهم يروون تفاصيل مروعة عن مقتل المدنيين في الحرب الاهلية الدائرة في بلادهم.

أنا أحب وأعشق هذه الممثلة الرائعة ، شاهدتها في مؤتمر صحفي عالمي وهي تبكي حال اللاجئين السوريين في الأردن ، القضية في سوريا الآن أصبحت قضية سياسية بالغة التعقيد ولا يمكن النظر إليها بشكل عاطفي ، بل لا بد من الوعي الشديد ، ولذا أنظر للمسألة السورية من خلال هذا الوعي ، ولكن اللاجيء أساسا يعني لي الكثير .

دعت جولي التي جالت مخيم الزعتري للاجئين السوريين قرب الحدود السورية على بعد 85 كلم شمال عمان، برفقة المفوض الأعلى للاجئين في الامم المتحدة انتونيو غوتيريس المجتمع الدولي الى "تقديم كل ما باستطاعته لدعم اللاجئين السوريين الذين تخطى عددهم 250 الفا ، ولكن القضية كما قلت أصبحت قضية سياسية ، إلى جوار من تقف ؟؟؟؟هذا هو السؤال الصعب !!!!

بكت جولي خلال مؤتمر صحافي مشترك في المخيم مع غوتيريس ووزير الخارجية الاردني ناصر جودة عقب زيارة استمرت يومين للمخيم لمعاناة اللاجئين السوريين ، معتبرة انه "من المؤثر جدا ان تلتقي باشخاص لا يعرفون حقا من يقف الى جانبهم". وقالت: "حين سئل أطفال صغار عما رأوا أخذوا يتحدثون عن جثث مقطعة واناس محترقين تتقطع أوصالهم لدى انتشالها كما الدجاج ، واستطردت بعد ان حاولت التماسك: "انها تجربة ثقيلة جدا لانك في الكثير من الاحيان تأتي الى هذه المخيمات ، ونادرا ما تلتقي بهم وهم يعبرون الحدود وتتعرف على أناس في اللحظة التي يتحولون فيها الى لاجئين".

أنا أيضا أجهشت بالبكاء عندما عرفت أنه يعيش في مخيم الزعتري 28 ألفا بخدمات محدودة وسط أجواء الصيف الحارة والرياح المحملة بالاتربة ، غوتريس قال ان هذه الزيارة هي رسالة للعالم "ليساعدنا ويساعد الحكومة الاردنية على العمل بقوة على تحسين معيشة اللاجئين في هذا المخيم".وسافرت جولي الى سوريا عام 2007 ومرة اخرى عام 2009 للالتقاء بلاجئين عراقيين مع صديقها الممثل براد بيت ، وخلال احدى الزيارتين التقيا مع الاسد وزوجته أسماء ، وفي ابريل الماضي رفعت مكانة جولي من سفيرة للنيات الحسنة للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين الى مبعوثة خاصة، ولكن أنجلينا جولي شيء والمسألة السورية شيء آخر !!!صحيح بكت جولي وبكت معها السينما ولكن هل هذا يحل المشكلة ؟؟؟











عادل امام


عادل إمام وقصة ازدراء الأديان والإساءة للإسلام

بقلم : بدرالدين حسن علي



أخيرا تنفس الفنانون المصريون الصعداء بعد أن قضت محكمة استئناف القاهرة ببراءة الفنان المصري عادل إمام من تهمة ازدراء الأديان والإساءة للإسلام في مجمل أعماله الفنية ، وكانت محكمة أخرى قد قضت غيابيا في شهر فبراير الماضي بالسجن على عادل إمام ثلاثة أشهر بعد ثبوت تهمة الإساءة للإسلام عليه، وهو الحكم الذي ثبتته محكمة أخرى في شهر أبريل الماضي.



قدمت المحكمة للحكم الصادر ببراءة عادل الإمام عددا من الحيثيات الهامة وهي على النحو التالي ::

* أن مقدم الدعوى لم يقع عليه ضرر مباشر من الأعمال الفنية التي قدمها عادل إمام.

* أن المحكمة قامت بمراجعة المقاطع الفيلمية موضوع الدعوى ووجدت أنها تقوم بنقد سلوكيات مجموعات بعينها وأنه لا علاقة لها من قريب أو بعيد بالإساءة للإسلام أو ازدراء الأديان.

وعليه فقد حكمت المحكمة ببراءة عادل إمام من التهم المنسوبة إليه وألزمت مقيم الدعوى بالمصاريف الإدارية.

يذكر أن الحكم الأول الذي صدر ضد إمام كان غيابيا وهو لم يكن على علم بوجود دعوى ضده من الأصل. أما الحكم الثاني والذي أيد الحكم الأول فقد كان شكليا فقط من حيث صحة الإجراءات القضائية.

بعد صدور الحكم الأول كانت هناك مخاوف من أن الإسلاميين سيضيقون على الفن والفنانين، لكن الرئيس المصري محمد مرسي - ذي الخلفية الإسلامية - عقد اجتماعا حضره عدد كبير من الفنانين طمأنهم فيه على حرية التعبير وعلى أنه لن يكون هناك أي تضييق عليهم في المستقبل ولا على أعمالهم الفنية، وهو الاجتماع الذي حضره عادل إمام بنفسه بعد تلقيه دعوة شخصية من الرئيس.

أهم الدلالات التي يمكن الخروج بها من هذا الحكم أن القضاء المصري نزيه ومستقل وغير خاضع للأهواء السياسية ، كما أنه يمثل رسالة واضحة بعدم جدوى مثل هذه الدعاوى التي سينتهي الحال برفضها.

الأمر المطمئن أيضا أن عدد الدعاوى المستقبلية سيقل عددها، ولكن ليس معنى ذلك أنها ستختفي نهائيا لأن هناك لا يزال عدد من المجموعات السلفية المتشددة ستستمر في إقامة الدعاوى على الفنانين من أجل التضييق عليهم ووضعهم في موقف الحذر الدائم، أو إتهامهم بالزنا في حالة الممثلة الرائعة إلهام شاهين .

دائما ما أقول أن المسرح ضمير العالم وكذلك السينما ، وعادل إمام له الكثير من السوءات الفنية والأخلاقية ، ولكنه فنان موهوب وساهم بشجاعة في تقديم صورة ما للشعب المصري والعربي قد تكون مقبولة أو غير مقبولة في بعض جزئياتها ولكنه كان صادقا في عرضها ، ولذا سيظل محفورا في ذاكرتنا حتى لو حكم عليه شنقا !!!!





بمناسبة صدور كتابه الجديد


بمناسبة صدور كتابه الجديد

سلمان رشدي يتحدث عن الإهانة والإزدراء والشتيمة

بقلم : بدرالدين حسن علي

سلمان رشدي " 65 عاما " هل تذكرونه ؟ نعم ذلك المواطن الهندي الذي أصدر الإمام الخميني في عام 1989 فتوى بإهدار دمه بسبب كتابه الموسوم " آيات شيطانية ، أين هو الان ؟

طبعا سلمان رشدي غير اسمه إلى " جوزيف أنطون " وحصل على الجنسية البريطانية ، وقام بتغيير مقر إقامته عدة مرات خوفا على حياته .

ولكن لماذا إختار سلمان رشدي هذا الإسم تحديدا ؟ نعم لأن الإسم الجديد يتكون من الإسمين الأولين لكاتبين مشهورين يقرأ لهما رشدي كثيرا وهما الروائي المعروف جوزيف كونراد و الطبيب المسرحي الرائع أنطون تشيخوف ، سلمان أو جوزيف يتردد بين لندن ونيو يورك تحت حراسة مشددة من قبل الحكومتين البريطانية والأمريكية ، ويحصل أيضا على راتب شهري مجزي من الحكومتين .

طبعا نتذكر جيدا أن إيران أكدت في عام 1998 أن الفتوى لن تطبق ، إلا أن المرشد الأعلى لجمهورية إيران الإسلامية آية الله علي خامئني أكد من جديد في عام 2005 أن سلمان رشدي مرتد يمكن قتله دون عقاب ، كما أعلنت حكومة الرئيس محمود أحمدي نجاد في العام 2007 أن الفتوى لا تزال قائمة ، وفي الأسبوع الماضي كما تابعنا في الإنترنت أن المؤسسة الدينية الإيرانية قد رفعت قيمة المكافأة المالية المرصودة لقتل رشدي إلى 3.3ملايين دولار .

أنا شخصيا قرأت كتاب " آيات شيطانية " ولا أرى فيه سببا لإهدار دمه ، كما لا أرى في الفيلم المسيء للرسول " صلعم " سببا لقتل السفير الأمريكي في ليبيا وإزهاق أرواح العشرات في العالمين العربي والإسلامي، فالكتاب أحسبه مجرد رأي والفيلم كما قلت سابقا من الناحية الفنية تافه وقذر، ولا يمكن للإسلام كدين وحضارة عريقة أن يتأثر بكتاب رشدي أو فيلم باسيلي ، فقط علينا في التعبير عن إعتراضنا بالسلوك الحضاري و مقولة " لا تزر وازرة وزر أخرى " .

سلمان رشدي في كتابه الجديد يستعيد ذكريات إختفائه عبر السنوات الماضية ونحديدا منذ العام 1989 وحتى اليوم ، أولا تحوي مذكراته سردا لقتل المترجم الياباني لكتابه " آيات شيطانية " ونظيره الإيطالي في منزله ، وثمة مقاطع أخرى عن عناصر الشرطة المكلفين بحمايته والحكايا والقصص التي حدثت له .

بالتأكيد تأثر رشدي بحياة الإختفاء ، فقد إنفصل عن زوجتيه الثانية والثالثة معترفا أنه خانهما ، وذلك يعني تذبذبه الفكري ومعاناته النفسية , وكان يرغب في أن يعيش حياة بسيطة ولكن كان ذلك مستحيلا .

أهم ما قاله سلمان رشدي في كتابه الجديد أن الإتهامات ظلت كما هي دائما الإهانة والإزدراء والإساءة والشتيمة .

على كل إنها معركة سينتصر فيها في الآخر صوت العقل والحكمة !!!

الأحد، 23 سبتمبر 2012

مهرجان سلا السينمائي


مهرجان سلا السينمائي العالمي حول المرأة

السينما المغربية: جموح الطموح وكثرة العقبات؟

بقلم : بدرالدين حسن علي

تربطني بالمغرب ذكريات حميمة خاصة مع صديقي الصحفي الراحل المقيم بابكر حسن مكي الذي كان يعمل معنا في الكويت بصحيفة السياسة الكويتية بينما كنت أعمل بصحيفة الوطن ، وقد رحل عنا في حادث حركة مؤسف ، وهو صاحب كتاب " نميري الإمام والروليت " وعامود " أوراق جديدة " بصحيفة أخبار اليوم ، وعندما أتذكر المرحوم بابكر حسن مكي تجول في ذاكرتي خواطر هامة في حياتي فأتذكر أصدقائي فتحي الضو محمد ومحمود عابدين وعبد الرحمن الأمين المقيم حاليا في الولايات المتحدة وكان يراسل صحيفة السياسة من واشنطون . ما دعاني لهذه الذكريات مهرجان سلا السينمائي العالمي حول المرأة والذي أنهى فعالياته الأسبوع الماضي ، وشكل المهرجان فرصة للفنانين المغاربة وباقي العاملين في المجال السينمائي للإلتقاء وتبادل الحديث عن أعمالهم وطموحاتهم ومشاكلهم ، وهذه إحدى أهم ثمرات المهرجانات السينمائية .

افتتح المهرجان بحفل أقيم على شرف المدعوين من فنانين وفنانات، ساروا على البساط الأحمر واستقبلوا بحفاوة كبيرة من قبل المنظمين.

إستضاف المهرجان هذه السنة عددا من الممثلات والعاملات في الحقل السينمائي على غرار الممثلة المصرية تيسير فهمي.

تقول تيسير إن عدم المساواة بين الرجل والمرأة هو من خلق البشر وليس تشريعا لأي دين، ووجود سينما خاصة بالمرأة تعرض مشاكلها وتلقي الضوء على همومها هو أمر اضطراري لأن من المفروض أن يوجه الفيلم لكل المجتمع.

ترى تيسير فهمي أن أصداء مهرجان سلا سيكون لها تأثير إيجابي على وضع المرأة في المغرب وفي العالم العربي على وجه العموم ، وأنه لا يجب أبدا إغفال قيمة المحاولة، فالمهرجانات تكمل بعضها البعض وهذه الأفلام المعروضة تساهم في تغيير أفكار الشعوب ووجدانها والفن أسهل وسيلة لتغيير وجدان الشعوب.

وعن أمنيات تيسير فهمي عقب ثورة 25 يناير وثورات الربيع العربي تتمنى ألا يصبح الربيع العربي خريفا. فبلدان مصر وتونس في نظر تيسير محتاجة لنمو اقتصادي واجتماعي وتتمنى أن تتحقق في هذه البلدان العدالة الاجتماعية لشعوبها، وأن يكون لكل واحد الحق في التعليم والعلاج دون تمييز وأن تحظى المرأة بالمكانة التي تستحق داخل مجتمعها .







مهرجان القاهرة السينمائي


مهرجان القاهرة السينمائي العالمي في موعده

مصر ستظل صامدة ومنارة السينما في العالم العربي

بقلم : بدرالدين حسن علي

دخلت مصر مرحلة جديدة بعد إعتلاء محمد مرسي كرسي الرئاسة ، مصر قطعة من قلبي ، لو رشح مصري واحد أظل أرشح حتى يطيب كل المصريين ، ولكن كل مصر مشغولة الآن بما يحدث فيها ، الجميع يضع يده فوق رأسه ويتساءل إلى أين مصر ؟ حتى تلك الملايين التي إعتصمت في ميدان التحرير وأسقطت حسني مبارك ، ولكن مصر اليوم في وضع حرج ، الخلافات نكاد تعصف بأبي الهول رمز الحضارة المصرية القديمة والتاريخ المجيد لمصر .

لا تظنوا أنني خائف ، على العكس تماما فالشعب المصري أكد لي أنه ليس بخائف ، إذن لماذا أخاف ؟ أنا فقط يهمني أولئك الذين أحس بأنفاسهم ، كتابها ، رساموها ، أفكر في كل لحظة في ممثليها ومخرجيها وتلك البوتقة الرائعة التي وهبها النيل الخالد لمصر وايضا أتساءل إلى أين المصير ؟ ولماذا لا أتساءل عندما تصدر عدة صحف بأعمدة بيضاء ؟ لماذا لا أتساءل والعديد من أصدقائي الفنانين في إنتظار المحاكمة بتهمة إزدراء الدين ؟ كم معرض للكتاب حضرت ؟ كم عدد المسرحيات والأفلام السينمائية شاهدت ؟ أرجوكم لا تقولوا لي ليس هذا كل مصر ! أرجوكم لا تكذبوا وتقولوا أني مخطيء وأني لا أفهم مصر لا أنا أفهم مصر جيدا ، ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان ، مصر هي الكتاب والمسرح والسينما والأوبرا ووو ارجوكم لا تكذبوا وتقولوا أنت لا تعرف مصر !!!

واحدة من معاناتي اليوم هذا السؤال عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ؟ أعرف هناك من يقول " نحن في أيه والحسانية في أيه" .

ولكني أقول لكم شيئا واحدا مصر ستبقى بمرسي أو غير مرسي ، مصر مر عليها جمال وأنور وحسني وبقيت صامدة قوية ومنارة السينما في العالم العربي ، ولا أخجل ومصر تمر بالظروف الحالية من أن أتابع أخبار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي حضرت معظم دوراته ؟

تبدا الدورة المقبلة من المهرجان في 28 نوفمبر فيما تنتهي 6 ديسمبر 2012 ،وسأحضر هذه الدورة رغم ظروفي الصحية وليذهب المرض للجحيم ! وأكد المسؤول الإعلامي لمؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي أن التجهيز للمهرجان جار على قدم وساق ، علما بأ ن المؤسسة يرأسها الناقد السينمائي يوسف شريف رزق الله وتضم في عضويتها عدد من السينمائيين الذين سبق وشاركوا في دوراته السابقة ومنهم الممثلة والمنتجة مديحة يسرى وهي من أصل سوداني وانا شخصيا أعتز بها كثيرا ، والمؤلف ثامر حبيب والمخرج والمنتج شريف مندور والمؤلف والمنتج محمد حنفي والمخرجة هالة خليل والنقاد طارق الشناوي وهذا ناقد له أفضال كثيرة على السينما المصرية ، وخيرية البشلاوي ورفيق الصبان الذي علمني ما هو النقد السينمائي وأظل أدين له بالفضل الكثير أطال الله عمره ، وأحمد صالح وياسر محب .

وفي ذات السياق قامت د. ماجدة واصف نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة بزيارة لمدير الإتحاد الدولي للمنتجين FIAPF ، واجتمعت واصف مع مدير الإتحاد واطلعته على الجديد فيما يخص المهرجان والتصور العام للدورات المقبلة له ، كما أجرت إتصالات مع بعض المؤسسات السينمائية الفرنسية التي تساند المهرجان ، ومن هذه المؤسسات : المركز القومي للسينما الفرنسية ، يونيفيرانس فيلم ، قناة آرت فرنسا ، قناة TV5، وقد وعدت هذه المؤسسات باستمرار دعمها لمهرجان القاهرة السينمائي العالمي في دورته المقبلة .

يأتي تنظيم مؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي بعد أن إختارتها لجنة المركز القومي للسينما من بين المؤسسات التي تقدمت لتنظيم المهرجان في إطار تجاه وزارة الثقافة لأن تقوم بتنظيم المهرجانات في مصر مؤسسات أهلية .

المعروف أن معرض القاهرة للكتاب أقيم ونجح وحقق إيرادات أكثر من المعرض السابق ، كما أقيمت مهرجانات أخرى مثل المهرجان السينمائي في الأقصر ومهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والمهرجان الغنائي في الإسكندرية ومهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي ومهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل .










مهرجان القاهرة السينمائي العالمي في موعده

بقلم : بدرالدين حسن علي

دخلت مصر مرحلة جديدة بعد إعتلاء محمد مرسي كرسي الرئاسة ، مصر قطعة من قلبي ، لو رشح مصري واحد أظل أرشح حتى يطيب كل المصريين ، ولكن كل مصر مشغولة الآن بما يحدث فيها ، الجميع يضع يده فوق رأسه ويتساءل إلى أين مصر ؟ حتى تلك الملايين التي إعتصمت في ميدان التحرير وأسقطت حسني مبارك ، ولكن مصر اليوم في وضع حرج ، الخلافات نكاد تعصف بأبي الهول رمز الحضارة المصرية القديمة والتاريخ المجيد لمصر ، لا تظنوا أنني خائف ، على العكس تماما فالشعب المصري أكد لي أنه ليس بخائف ، إذن لماذا أخاف ؟ أنا فقط يهمني أولئك الذين أحس بأنفاسهم ، كتابها ، رساموها ، أفكر في كل لحظة في ممثليها ومخرجيها وتلك البوتقة الرائعة التي وهبها النيل الخالد لمصر وايضا أتساءل إلى أين المصير ؟ ولماذا لا أتساءل عندما تصدر عدة صحف بأعمدة بيضاء ؟ لماذا لا أتساءل والعديد من أصدقائي الفنانين في إنتظار المحاكمة بتهمة إزدراء الدين ؟ كم معرض للكتاب حضرت ؟ كم عدد المسرحيات والأفلام السينمائية شاهدت ؟ أرجوكم لا تقولوا لي ليس هذا كل مصر ! أرجوكم لا تكذبوا وتقولوا أني مخطيء وأني لا أفهم مصر لا أنا أفهم مصر جيدا ، ليس بالخبز وحده يعيش الإنسان ، مصر هي الكتاب والمسرح والسينما والأوبرا ووو ارجوكم لا تكذبوا وتقولوا أنت لا تعرف مصر !!!

واحدة من معاناتي اليوم هذا السؤال عن مهرجان القاهرة السينمائي الدولي ؟ أعرف هناك من يقول " نحن في أيه والحسانية في أيه" .

ولكني أقول لكم شيئا واحدا مصر ستبقى بمرسي أو غير مرسي ، مصر مر عليها جمال وأنور وحسني وبقيت صامدة قوية ، ولا أخجل ومصر تمر بالظروف الحالية من أن أتابع أخبار مهرجان القاهرة السينمائي الدولي الذي حضرت معظم دوراته ؟

تبدا الدورة المقبلة من المهرجان في 28 نوفمبر فيما تنتهي 6 ديسمبر 2012 ، وأكد المسؤول الإعلامي لمؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي أن التجهيز للمهرجان جار على قدم وساق ، علما بأ المؤسسة يرأسها الناقد السينمائي يوسف شريف رزق الله وتضم في عضويتها عدد من السينمائيين الذين سبق وشاركوا في دوراته السابقة ومنهم الممثلة والمنتجة يسرى والمؤلف ثامر حبيب والمخرج والمنتج شريف مندور والمؤلف والمنتج محمد حنفي والمخرجة هالة خليل والنقاد طارق الشناوي وخيرية البشلاوي ورفيق الصبان وأحمد صالح وياسر محب .



وفي ذات السياق قامت د. ماجدة واصف نائب رئيس مجلس إدارة المؤسسة بزيارة لمدير الإتحاد الدولي للمنتجين FIAPF ، واجتمعت واصف مع مدير الإتحاد واطلعته على الجديد فيما يخص المهرجان والتصور العام للدورات المقبلة له ، كما أجرت إتصالات مع بعض المؤسسات السينمائية الفرنسية التي تساند المهرجان ، ومن هذه المؤسسات : المركز القومي للسينما الفرنسية ، يونيفيرانس فيلم ، قناة آرت فرنسا ، قناة TV5، وقد وعدت هذه المؤسسات باستمرار دعمها لمهرجان القاهرة السينمائي العالمي في دورته المقبلة .

يأتي تنظيم مؤسسة مهرجان القاهرة السينمائي بعد أن إختارتها لجنة المركز القومي للسينما من بين المؤسسات التي تقدمت لتنظيم المهرجان في إطار اتجاه وزارة الثقافة لأن تقوم بتنظيم المهرجانات في مصر مؤسسات أهلية .

المعروف أن معرض القاهرة للكتاب أقيم ونجح وحقق إيرادات أكثر من المعرض السابق ، كما أقيمت مهرجانات أخرى مثل المهرجان السينمائي في الأقصر ومهرجان الإسماعيلية للأفلام التسجيلية والمهرجان الغنائي في الإسكندرية ومهرجان الإسكندرية السينمائي الدولي ومهرجان القاهرة الدولي لسينما الطفل .











.










مهرجان الإسكندرية في دورته الثامنة والعشرين

السينما ودورها في التوعية بالحريات وتكريم رموز السينما

بقلم : بدر الدين حسن علي



تتلاحق الأحداث بسرعة غير عادية خلال الشهر الحالي ، حتى أصبح شهر سبتمبر من أقوى الشهور منذ بدايته وحتى نهايته ، هناك مهرجان البندقية السينمائي ، ومهرجان تورنتو السينمائي ، وقضية براءة النجم عادل إمام من تهمة إزدراء الدين والإساءة للإسلام ، وهناك أيضا مسألة الفيلم " براءة المسلمين " المسيء للنبي محمد " صلعم " ، ومهرجان "سلا " الدولي لسينما المرأة ، والجديد في قضية سلمان رشدي ، أحداث كما قلت تتسارع بوتيرة عجيبة وجميعها قضايا هامة مهما كانت وجهة النظر إليها .

الأربعاء 19 سبتمبر أختتم مهرجان الإسكندرية السينمائي فعاليته التي بدأت يوم 12 الماضي ، للدورة الثامنة والعشرين ، ويدو أن هذه الدورة هي دورة الربيع العربي بإمتياز

الجديد احتفالية وندوة حول دور السينما المصرية في مجال الوعي بالحريات عبر مسيرة عشر سنوات ، ومن أهم الأعمال في الدورة 'بنتين من مصر' و'حين ميسرة' و'واحد صفر " ونكريم أهم رموز السينما المصرية مثل : بلال فضل وناصر عبد الرحمن وخالد يوسف ومحمد أمين وخالد صالح وهند صبري.

كما تميزت الدورة بمشاركة عربية متميزة أبرزها المشاركة المغربية التي ضمت ثلاثة أفلام هي 'من دم وفحم' في المسابقة الرسمية إخراج عز الدين علوي و'الوتر الخامس' سيناريو وإخراج سلمى بركاش وفيلم 'الأندلس حبي' تأليف وإخراج وبطولة محمد نظيف.

وشاركت تونس، بفيلمين الأول 'ديما براندو' إخراج رضا باهي و'لا خوف بعد الآن' عن الثورة التونسية التي فتحت الباب أمام ثورات الربيع العربي والذي سبق أن شارك في الدورة الأخيرة لمهرجان كان السينمائي الدولي. وضم المهرجان مشاركة جزائرية وحيدة في المسابقة الرسمية بفيلم 'قديش تحبني' سيناريو وإخراج فاطمة الزهراء زموم.

أما المشاركات المصرية فتمثلت في 3 أفلام منها 'مولود في 25 يناير' للمخرج أحمد رشوان في قسم 'حقوق الإنسان' وفيلم 'طريق العودة' للمخرج المصري المقيم في موسكو إيهاب حجازي في قسم 'سينما خارج المألوف'.





الثلاثاء، 18 سبتمبر 2012

في ذكرى رحيل الناقد الفذ سامي سالم


بقلم : بدرالدين حسن علي



سامي سالم هو زوج قريبتي الفنانة الكاتبة أحلام كريمة الشاعر الكبير الراحل المقيم إسماعيل حسن ، والتي تكبدت معه كل مشاق الغربة وصعوباتها ، خاصة مع رجل طيب خلوق مثل سامي سالم وصبرت صبرا جميلا يسجل لها في كتاب حسناتها ، ولا زلت حتى اليوم أعتبر الثامن عشر من سبتمبر 2007 يوما أسود ، إذ صحوت من النوم بعد قضاء أمسية جميلة مع كريمتي مهيرة كانت تصادف الذكرى ال 26 لزواجي من الراحلة المقيمة المخرجة السينمائية الفذة حورية حسن حاكم ، كان الوقت باكرا ، رن جرس الهاتف رفعت السماعة متثاقلالأصدم بالخبر الفاجع : رحيل سامي سالم في السابعة من صباح ذلك اليوم الثلاثاء المشؤوم عن عمر يناهز ال 54 عاما بعد صراع مرير من آثار السكتة القلبية التي داهمته وجعلته نزيل العناية المركزة بمستشفى رويال أليكس بمدينة إدمنتون الكندية ، لتحمل أختي أحلام إسماعيل حسن جثمانه الطاهر إلى السودان برفقة أبنائها محمد وعمر ويدفن في مقابر البكري التي تضم معظم أفراد أسرتي وفي مقدمتهم الوالد والوالدة عليهم رحمة الله ، ومنذ رحيله المبكر وحتى اليوم يشغلني أمر زوجته الوفيه وولديها محمد وعمر .

جاء إلى كندا بعدي بشهور قليلة من عام 1998 حيث إستقريت مع كريمتي الوحيدة مهيرة في اتاوا عقب رحيل حورية أيضا إثر سكتة قلبية لم تمهلها طويلا في مستشفى القصر العيني بالقاهرة واتجه هو مباشرة إلى رجاينا في الغرب الكندي قادما إليها مع أسرته من القاهرة ضمن برنامج التوطين الذي أقرته الأمم المتحدة لعدد كبير من السودانيين السياسيين الذين كانوا يقيمون في مصر ، وكان آخر وظيفة له في مصر محررا بصحيفة الإتحادي الدولية الناطقة بإسم الحزب الإتحادي الديمقراطي ، وقد زاملته فيها لعدة سنوات ككاتب متعاون ، ومرة أخرى كنت دائم الإتصال به وبزوجته الرائعة أحلام .

سامي سالم أيضا جارنا في الحارة 13 الثورة أم درمان ، ولا يفصل منزلنا عنهم سوى شارع واحد ، ولأني تغربت كثيرا وطويلا فقد كان صديق شقيقي الراحل المقيم صلاح الذي داهمه مرض الملاريا بعد سنوات من العمل المخلص بوزارة الزراعة ، وفي المرات القليلة التي كنت أزور فيها السودان كان يحلو لثلاثتنا أن نمارس لعبة الشطرنج لساعات طويلة ، وتكرر هذا الأمر في القاهرة عندما إلتقينا فيها كمعارضين ، ولكني زاملت سامي منذ الستينات وحتى رحيله في مجال الكتابة والعمل الصحفي ، مشوار طويل من الأحداث والقصص والحكاوي والقضايا الشائكة المعقدة وأجمل الأيام وأروعها التي لن تعود ، وقد كنت ألتقيه يوميا في منزلنا أو في الحوش – الإذاعة والتلفزيون والمسرح ، وعلى الرغم من خلافنا السياسي حيث كان عضوا في الإتحاد الإشتراكي " بتاع " نميري وكنت معارضا ، إلا أننا كنا أصدقاء حميمين ، وتجمعنا علاقة أدبية وصحفية قوية جدا .، وكنا ثلاثتنا بعد أن نفرغ من لعبة الشطرنج يبدأ حوارنا الذي لا ينتهي عن المسرح والسينما والرواية والقصة وعالم من الإبداع والثقافة الحية والنقد الموضوعي ، وحقيقة كان الراحل ناقدا وأديبا مميزا وقد كنت أحبه كثيرا .

كان سامي يصول ويجول في كل حدائق الأدب والفن الرفيع بكلمات رشيقة رقيقة هي تلك التي إعتدنا عليها زمان عرفات محمد عبدالله و التجاني يوسف بشيروالأساتذة علي المك وصلاح احمد إبراهيم وخالد الكد وقائمة تطول من الأدباء والمبدعين .

نحن نعرف الآن أن تاريخ أدباء السودان والفنانين والمبدعين لا يختلف جوهريا عن تاريخ أي مثقف في أي بلد عربي ، وخاصة في ظل الأنظمة القمعية القابضة بالقوة على السلطة ، حتى أصبح تاريخ مثقفينا مشوار طويل من المحن المستمرة كما يقول الكاتب صلاح عيسى ، ولعله إستكمالا للمحن التي أصابت إبن السكيت الذي قطعوا لسانه من قفاه ، وعبدالله بن المقفع الذي تم التمثيل بجثته ، وصالح بن القدوس الذي أتهم بالزندقة فضربت عنقه ، وعاش إبن تيميه مطاردا ، وإبن حنبل مات في سجنه ، وسعيد بن جبير الذي قتل ، وسليمان الأشدق الذي سقي السم حتى مات .

تماما مثلما حدث ويحدث في بلادي ، فمحمود محمد طه عبقري زمانه مات مشنوقا ولم تغفر له سنواته السبعون ، والمجرمون ما زالوا يعيشون بيننا وبعضهم يحكمون ، والمطرب صاحب الصوت الدافيء الحنون خوجلي عثمان إغتالته سكين الهوس الديني والقاتل يسخر ويضحك ملء شدقيه ، وطه محمد احمد طه الصحفي الشجاع الذي مهما إختلفت معه لا بد أن تحترمه يذبح ذبح الخراف والقتلة ما زالوا أحياء ، ومن لم يمت بالرصاص أو السكين أو التعذيب مات موتا بطيئا بالمرض مثلما حدث مع عثمان خالد ومحمد رضا حسين وحورية حاكم وعمر الدوش وعلي عبدالقيوم ومحمد عمر بشير وليلى المغربي واحمد قباني واحمد عاطف وصلاح أحمد إبراهيم وجيلي عبدالرحمن وأحمد الجابري وعوض صديق والفاضل سعيد والجعفري والريح عبد القادر ومحمد وردي وزيدان إبراهيم والأمين عبد الغفار وإبرهيم عوض وأحمد الجابري وأحمد المصطفى وعثمان حسين والتجاني الطيب ومحمد إبراهيم نقد وقائمة طويلة لا أكاد أحصيها ، ومن لم يمت موتا بطيئا دهسته سيارة مجنونة مثلما حدث لخالد الكد في شوارع لندن ومحمد الحسن سالم حميد ونادر خضر ، وحتى هنا في تورنتو خطف الموت الريحانة المهندس الرئيس السابق لجاليتنا المهندس كمال شيبون .

وهاهو سامي سالم يعود بعد سنوات الغربة محمولا في نعش ليدفن في مقابر البكري وهو الذي أحيت كتاباته الموتى من القبور . نعم كان سامي سالم في القاهرة شعلة من الحركة والوثوب إلى أمام رغم كل العواصف والضغوط النفسية والإجتماعية والسياسية وعندما أصابه اليأس قبل نظام التوطين فسافر إلى أقصى الغرب الكندي وتجول ما بين ريجاينا وكالكاري وتورنتو ثم إدمنتون حيث توقف نبض قلبه العامر ، كان سامي من أوائل الصحفيين الذين خرجوا من البلاد بعد إنقلاب 1989 وأسسنا ووثقنا مع نفر من الزملاء النشاط الإعلامي المعارض في القاهرة على أيام التجعم الوطني الديمقراطي رحمه الله ، وظللنا سويا أعضاء أصيلين في نقابة الصحفيين الشرعية وإتحاد الكتاب السودانيين .

الفقيد الراحل من مواليد أم درمان وعرف بنبوغه وميوله الأدبية المبكرة ، عمل لفترة موظفا بالخدمة المدنية ثم توجه إلى عالم الكتابة ، كما عمل في أواخر السبعينات في معهد البحوث والدراسات الإستراتيجية ، وزامل في ذلك الوقت عددا من رموز مايو أمثال آمال عباس ، إسماعيل الحاج موسى ، يوسف بشارة وأحمد عبد الحليم ، كما عمل بالقسم الثقافي بصحيفة السياسة ، وعندما أتذكر سامي سالم أتذكر أولئك الرائعين أمثال عثمان حامد ، سعدية الخليفة ، صلاح الزين ، مصطفى مدثر ، حسن الجزولي ، أحمد عبد المكرم ، خطاب حسن أحمد ، معاوية جمال الدين ، يحيى فضل الله ، أحمد محمود ، بشار الكتبي ، يحيى بن عوف وآخرين لا تسعفني الذاكرة لذكر أسمائهم جميعا فلهم المعذرة .

يوم رحيله فجعت الأوساط السودانية الإعلامية والأدبية في كل أنحاء العالم والجالية السودانية في مدينة إدمنتون ورجاينا وهنا في تورنتو ، كان الراحل المقيم يتميز بثقافة موسوعية نادرة ويستطيع الخوض في أكثر من مجال ، وقد حالفني الحظ بأن طالعت سلسلة مقالاته التي طرح فيها موقفه من ديوان العودة إلى سنار ، ولن أنسى ما حييت ما قاله الشاعر الكبير فضيلي جماع عن سامي سالم ، في حياته لم يجمع مالا ولم يفكر في ذلك ، كان دائم الإبتسام والمرح الشديد ، مثقف حقيقي ، طيب وعنيد .

سامي سالم ترك ثروة هائلة من الكتب الأدبية والمقالات النقديةخاصة توثيقه في السفر الكبير للفنان الراحل المقيم محمد وردي ، وفي جميعها كان كاتبا ومحللا نقديا يندر مثله في تاريخنا الأدبي و الفني ، وكان نموذج للكاتب الفنان الساطع الملتزم .

ماذا أقول سوى الدعوة إلى الله ليسكنه فسيح جناته والدعوة لأحلام إسماعيل حسن للتماسك وأشد على يدها بقوة .


بمناسبة ذكرى وفاته الخامسة

رسالة إلى أختي أحلام

مرت خمس سنوات مليئة بالكثير من القصص والحكايات المحزنات المفجعات المبكيات ، ولكن لله درك يا أحلام ما تزالين تقفين على قدميك وترسلين رسائل الحب والسلام لكل أهلي في السودان ، لله درك يا أحلام ما تزالين تغنين لعمي العظيم اسماعيل حسن ولزوجته الرائعة وأماني وعبد الجليل ومهيرة ووليد وأبو القاسم والبركل والسجانة وتجمعين في حديقة عشاقك خليل فرح ، الطيب محمد الطيب ، محمد وردي ، عثمان اليمني ، عبد الله البشير ، عبد الله الطيب ، حسن خليفة العطبراوي ، احمد فرح ، محمد المهدي المجذوب وحتى الطيب صالح ..والنعام آدم يغني : الطنابير الترن تروي الحكاوي ، واللبيب بي صوتو لي جرحي بيداوي !!!

لو لم تفعلي شيئا يكفي أنك احضرت بعانخي وترهاقا ومهيرة بت عبود وأحضرت الطنبور النوبي والنوباوي والهدندوي والغرباوي والشايقي والشلكاوي والجعلي وهلم جرا ...

لو لم تفعلي شيئا يكفي أنك كتبت حديقة العشاق ، وأنك كتبت الوادي الأخضر وصوت الدناقر ، وكتبت الطائر الجريح وقلبك ما يزال جريحا .

في كل عام تعزيني لفقداني حوريه وفي كل عام أعزيك لفقدك العظيم ، وحسنا هذا العام يجيء و " أخبار المدينة " تفتح قلبها لك ولسامي ...

نعم يا أحلام من يحب بلاده وأهله يحب محبوبته !!!

قال لي أحدهم : أنا أفتح أخبار المدينة كل صباح ولكن لا أقرأ سوى لأحلام بت حد الزين ، إنت وين يا سماعين رحت وين ؟؟؟؟؟


السينما عندما تكون تافهة و قذرة

والمسرح عندما يكون إنسانيا وعادلا

تعليق حول الفيلم المسيء " براءة المسلمين "

بقلم : بدر الدين حسن علي



مسرحية تاجر البندقية هي إحدى المسرحيات الأشهر للكاتب الإنجليزي وليام شكسبير المحايد تماما في أعماله المسرحية وهذا سبب عظمته ، ومعاداة من قبل التوجه الرسمي لليهود بسبب شخصية شايلوك اليهودي التاجر المرابي ، وقد قمت بتدريسها لطلاب مختارين بعناية فائقة من جامعة الخرطوم وجامعة القاهرة فرع الخرطوم و بمعهد الموسيقى والمسرح في سبعينات القرن الماضي ، كما قام أستاذي الشاعر الكبير مبارك حسن خليفة بإعدادها مسرحيا بعنوان " شايلوك " وأخرجها الراحل المقيم عوض محمد عوض للمسرح القومي بأم درمان أيضا في سبعينات القرن الماضي ، وقام صديقي الممثل البارع الهادي الصديق بدور شايلوك وإن نسيت فلن أنسى تفاعل الجمهور السوداني ال " ذكي " جدا مع أنطونيو .



تقوم حبكة هذه المسرحية حول تاجر شاب من إيطاليا يدعى أنطونيو، ينتظر مراكبه لتأتي إليه بمال، لكنه يحتاج للمال من أجل صديقه بسانيو الذي يحبه كثيراً لأن بسانيو يريد أن يتزوج من بورشيا بنت دوق (بالمونت)الذكية، فيضطر أنطونيو للاقتراض من التاجر المرابي شايلوك الذي يشترط عليه أخذ رطل من لحمه إذا تأخر عن سداد القرض ، لاحظوا هنا علاقة الصداقة بين أنطونيو وبسانيو ، حيث الصداقة اليوم أصبحت " نشاز " وإن قمت بفعل يشبه ما فعله أنطونيو فأنت غبي! وصديقي قالها لي صراحة " البلد دي قروش " سامحك الله يا صديقي وسامح الآخرين .

بورشيا كانت قد رأت بسانيو الذي زار أباها عندما كان حيا ، ويتأخر أنطونيو في تسديد القرض ، فيطالب شايلوك برطل من اللحم، ويجره إلى المحكمة، ويكاد ينجح في قطع رطل من لحمه لولا مرافعة بورشيا التي تنكرت في شكل محامٍ واشترطت على اليهودي أن يأخذ رطلا من اللحم دون أن يهدر نقطة واحدة من دماء انطونيو والا يسجن ، فعجز اليهودي وتراجع وحكم القاضي ببراءة أنطونيو .

الخيط الرئيسي في المسرحية هي نزعة الشرلدى شايلوك ، ولكن هناك بعض الخيوط الهامة مثل كيفية مكافحة الشروهزيمة " الثعلب المكار " والحب والثروة، والعزلة، والرغبة في الانتقام ، ومن الواضح جدا لي ولكثير من النقاد الصادقين أنها مسرحية رمزية تصلح لكل ألأمكنة ولكل ألأزمنة .

أنتجت هذه المسرحية مرات كثيرة، بل كان للسينما منها نصيب عندما شاهدت الفيلم الرائع تاجر البندقية من بطولة آل باتشينو ، وهو الفيلم الذي سيظل عالقا بذهني أبد الدهر ، وأقول لكم صراحة أن ثقافتي نابعة أساسا من المسرح والسينما ،

وهي ثقافة " فاهمة " ولكنها ساخرة ولاذعة جدا .

المسرح رسالة إنسانية

أذكر جيدا أنني طلبت من طلابي أن يكتبوا قصة درامية مستوحاة من فكرة المسرحية وامهلتهم أسبوعا لذلك ، لفتت إنتباهي قصة كتبها الراحل المقيم عبد العزيز العميري – ليست معي نسخة منها الآن – ولكني أتذكر مضمونها :

وعلى ما أذكر يبدأ العميري قصته بالقول : كان يا ما كان في قديم الزمان وسالف العصر والأوان مزارع فلسطيني اسمه محمد ، إنسان بسيط يعيش في القدس المحتلة ، إقترض مبلغا كبيرا من المال من رجل اسمه كوهين ثري في السبعين من عمره وقبيح جدا ، ولكن العجوز الثري قبيح الشكل أراد أن يتزوج زينب بنت المزارع الفلسطيني محمد ذات ال 20 عاما ، وقال للمزارع البسيط أنه سيعفيه من القرض إذا زوجه بنته ، كان الطلب قاسيا على المزارع وعلى الفتاة أيضا ، فرفض المزارع العرض بإباء وشموخ ، ولكن الثعلب العجوز المكار تقدم بإقتراح آخر ، أن يضع حصاتين واحدة سوداء واخرى بيضاء في كيس النقود ، وعلى زينب إلتقاط أحد الحصاتين وفق شروط :

• إذا إلتقطت زينب الحصاة السوداء تصبح زوجته ويتنازل هو عن القرض .

• إذا إلتقطت زينب الحصاة البيضاء لا يكون هناك زواج و أيضا يتنازل عن القرض .

• أما إذا رفضت إلتقاط أي حصاة ستكون العقوبة سجن محمد الفلسطيني سجنا مؤبدا .

وما حدث أن الثعلب العجوز المكار وضع حصاتين سوداوين في الكيس ولكن زينب شاهدت ذلك .

زينب كانت ذكية جدا لم تفضح الثعلب العجوز المكار ، بل أدخلت يدها والتقطت الحصاة وطبعا بالضرورة ستكون سوداء ، ولكنها رمت بنفسها في كمية من الحصى الذي كان موجودا بالقرب منهم وأسقطت الحصاة من يدها وبذلك لا يمكن الجزم بلون الحصاة التي إلتقطتها ، ولكنها قالت لهم : ما مشكلة دعونا نرى الحصاة المتبقية فإذا كانت سوداء معنى ذلك أني إلتقطت الحصاة البيضاء ، وبالطبع الثعلب العجوز المكار لن يفضح نفسه . وهكذا خسر كوهين وأنقذت زينب والدها وأنقذت نفسها من الثعلب العجوز المكار .

تذكرت مسرحية تاجر البندقية وتذكرت قصة العميري بينما كنت أشاهد لقطات من الفيلم البذيء المسيء للرسول " صلعم " خاتم أولي العزم من الرسل ، والمسمى " براءة المسلمين " وهي أتفه لقطات أشاهدها في حياتي ، ولا علاقة لها إطلاقا بفن السينما ، فتعجبت هل هذه سينما ؟

بالطبع المخرج اليهودي أراد أن يخرج فيلما سينمائيا فأخرج شيئا من

قفاه .. وهذه هي مصيبة السينما عندما تكون تافهة وقذرة .


في ذكرى رحيله العاشرة " 5"

الفكي عبد الرحمن أبو المسرح السوداني الحديث

بديري دهشمي " تشيقن" ومن أولاد تنقاسي

في طفولته جلده شيخه وفي رجولته بنى المسرح

بقلم : بدرالدين حسن علي

الفكي والمسرح القومي





الفكي عبدالرحمن – رحمه الله - فنان سوداني أصيل يندر أن يجود الزمان بمثله والذي إستحق أن يقال عنه بكل فخر وإفتخار أبو المسرح السوداني الحديث ، كان الفكي فناناّ موهوباّ رضع وشرب المسرح من جميع مصادره وتسلح في وقت مبكر جدا بأصول المسرح عندما كان ترفاّ لدى البعض ، كيف لا وهو تلميذ القامة المهيبة د. أحمد الطيب وقد سرد لي قصة حياته ، وكان دائما يذكرني بالمقولة الشهيرة لنجيب سرور " أرني المسرح في أي بلد أقل لك نوع النظام الذي يحكمه " ، بل كان على إيمان عميق برسالة المسرح السياسية والإجتماعية والتربوية والفنية ، ومن هنا فقد كانت كل سنوات عمره تضحيات متواصلة من أجل مسرح سوداني أصيل واختار معركته الأولى في المسرح القومي بأمدرمان ، ذلك البناء الكبير الذي بنته حكومة الفريق إبراهيم عبود والمطل على نهر النيل الخالد وواجهة لمركزين إعلاميين كبيرين هما الإذاعة والتلفزيون ، وفيما بعد الإنتاج السينمائي ، و على مقربة من ذلك الفنون الشعبية وفرقة الأكروبات السودانية ، وحملت جميع هذه المراكز بصماته الواضحة إما تأسيساّ أو تغييراّ في النهج والأسلوب وتطويرا في الشكل والمحتوى ، فكانت دروسه العظيمة تلك دافعاّ للمئات من الفنانين السودانيين من الشباب والشيوخ للتوجه نحو المسرح أو تلك المراكز لتقديم إبداعاتهم وفنونهم.

أطلق الفكي عبدالرحمن كما قلنا الشرارة الأولى في المسرح القومي بأم درمان عام 1967 ، كان المسرح القومي يومها وكراّ للبوم والخفافيش ومرتعاّ خصباّ للنفايات والأوساخ ، فشمر عن ساعده وحمل أول " كوريك " لإعادة بناء المسرح وتجهيزه كي يكون صالحاّ للعروض المسرحية رغم مساحته الكبيرة ، ووقف إلى جواره شباب ورجال آمنوا بالرسالة وقدموا الكثير من التضحيات يضيق المجال هنا لذكر أسمائهم ، وبعد فترة وجيزة أعلن بدأ المواسم المسرحية في المسرح القومي والتي أصبحت تقليداّ سائداّ إلى يومنا هذا رغم ما إ عترضت مسيرة المسرح من عقبات وتداخلات بسبب الأنظمة السياسية التي حكمت السودان بعد الإستقلال .

الفكي وشباب المسرح



درس المسرح في بريطانيا وعاد إلى السودان متابطا شكسبير وأرسطو وراسين ومولير وكوردن كريج واستانسلافسكي وهنريك إبسن وتشيخوف وبرتولد بريخت وفيشر وأونيل وآرثر ميللر والبير كامو وتينيسي وليامز وجان جينيه ولوركا وكاسونا وبسكاتور وبيرانديللو وبيتر فايس وشنوا ا أشيبي وولي شوينكا وتوفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور ومحمود دياب و تفاعل بوعي شديد مع إبراهيم العبادي وخالد أبو الروس والطاهر شبيكة والفاضل سعيد وحمدنالله عبدالقادر وغيرهم ، وسرت على خطاه ، قرأت لجميع هؤلاء ، و أتذكر مقولته لي : إن كنت تريد الدخول إلى عالم المسرح فأبدأ بشكسبير ، وهذا سر قراءتي ل 37 مسرحية لشكسبير ، وسر الصداع الذي سببته – لوالدتي رحمها الله – عندما كنت أنزوي في غرفتي وأصرخ كما صرخ هاملت " نكون أو لا نكون تلك هي المسألة ! " .

وجاء بفنانين من الجامعات والمعاهد العليا وحتى من الثانويات والوسطى ومحو الأمية ليشاركوا في تلك القافلة الفنية الرائعة : مكي سنادة ، الفاضل سعيد ، أبو الروس ، شبيكة ، يحي الحاج ،أبو قبورة ، اسماعيل خورشيد ، أبودليبة ،الجعفري ، عثمان قمر الأنبياء ، عثمان جعفر النصيري ، خالد المبارك ، علي عبد القيوم ، عبد الرحيم الشبلي ، عمر براق ، محمد رضا حسين ، أبو العباس محمد طاهر ، صلاح تركاب ، يوسف عايدابي ، هاشم صديق ، فتح الرحمن عبد العزيز ، محجوب عباس ، يوسف خليل ، صلاح قولة ، السر قدور ، إبراهيم حجازي ، محمد عثمان المصري ،محمد خلف الله ، فتحي بركيه ، عوض محمد عوض ، إسماعيل طه ، عوض صديق ، أبراهيم شداد ، علي مهدي ، آسيا عبد الماجد ، تحية زروق ، فتحية محمداحمد ، فايزة عمسيب ، بلقيس عوض ، سميه عبد اللطيف ، منى عبد الرحيم ، نعمات صبحي ، سلمى الشيخ سلامة ،نادية بابكر ، حسن عبدالمجيد ، حسبو ، عثمان علي الفكي عبد الواحد عبد الله ، محمد شريف علي ، هاشم محجوب ، ، الريح عبدالقادر ،عبد المطلب الفحل ، عمر الحميدي ، عمر الخضر ، عز الدين هلالي ، الطيب مهدي وذلك الجيل من الشباب الواعد ، واعتذر لمن فاتني ذكره، فجميعهم في رموش العين لمساهماتهم العظيمة في تطوير المسرح السوداني مع قائده الفذ الفكي عبد الرحمن ، ولا يمكن لأي واحد من هؤلاء أن ينكر الفضل الذي قدمه له الفكي عبد الرحمن ، ويكفي أن مكتبته العامرة كانت مفتوحة لهم جميعاّ بل أن نصفها موجود لديهم حتى اليوم ولم يسأل مطلقاّ بإعادة كتاب إليه ، كان فقط يقول للمستعير " أقرأ ودع غيرك يقرأ " .

تعدت إنجازات الفكي عبدالرحمن المسرح القومي لينشيء مسارح الأقاليم لتصبح رافدا هاما في مسيرة المسرح السوداني ، وأفكاره النيرة التي أوجدت معهد الموسيقى والمسرح وفرقة الفنون الشعبية وفرقة الأكروبات السودانية والفرق المسرحية الكثيرة التي نشأت تباعاّ وقدمت إنتاجاّ مسرحياّ يتسم بالجدية والتنوع والإبداع ، ألا يستحق بعد ذلك أن نقول عنه " أبو المسرح السوداني الحديث ؟

إنجازاته

الفكي عبدالرحمن من بعد هذا وذاك صاحب برنامج الأطفال بالإذاعة السودانية لسنين طويلة حفر اسمه في ذاكرة أطفال السودان رجال اليوم ومستقبل السودان ، كنت من أقرب المقربين للفكي عبد الرحمن فهو " الخال " وهو الأستاذ وكان الصديق أيضاّ ، و " الما عندو خال يشوف ليهو خال بس مش زي الخال الرئاسي ها ها ها " ، فقد كان على درجة عالية من الفهم والثقافة والتجارب ويعرف كيف يعامل جميع الناس ولذا أحبه كل الناس وفي يوم رحيله عم الحزن ليس السودان فحسب بل كل المدن والعواصم العربية نعته بحزن عميق لمآثره الكثيرة ، وأصدقكم القول أني مازلت حزينا لفراقه قبل أن ألتقيه بعد غربة طالت وطوت معها صفحات من أروع الصفحات التي عشناها مع أمثال الفكي عبد الرحمن والذي يستحق أن يخلد اسمه في ذاكرة الشعب السوداني مثله مثل أولائك العباقرة الذين بنوا سودان الأمس وسودان اليوم وسودان الغد .







في ذكرى رحيله العاشرة " 4"


الفكي عبد الرحمن أبو المسرح السوداني الحديث

بديري دهشمي "تشيقن ومن أولاد تنقاسي

في طفولته جلده شيخه وفي رجولته بنى المسرح

بقلم : بدر الدين حسن علي



كان يا ما كان

أخي وصديقي د. محمد المهدي بشرى نشر مقالا هاما بصحيفة البيان الإماراتية التي كنت أراسلها من الكويت ، وكان تلخيصا رائعا للكتاب يقول فيه :

كتاب يا ما كان لمؤلفه الراحل الفكي عبد الرحمن عبارة عن سرد مطول لحياة المبدع السوداني الراحل الفكي عبد الرحمن يرويها بلسانه ، لقد أملى هذا السرد على عدد من الكتاب والصحفيين آخرهم دكتور أمين محمد أحمد الذي أجرى مع الفكي عدة حوارات نشرت جميعها في صحيفة الصحافة قبل أعوام خلت .



الفكي عبد الرحمن معلم ومسرحي ينتمي إلى جيل نال تعليما رفيعا قبل الإستقلال ، حيث تخرج في معهد بخت الرضا وابتعث للملكة المتحدة ، وهو واحد من الطلائع التي تسلمت مقاليد السلطة من الإنكليز بعد خروجهم إثر نيل السودان إستقلاله في 1956 ، ولا شك أن هذا الجيل لعب دورا مفصليا ومفتاحيا في مصير البلاد سلبا وإيجابا ، كان الفكي عبد الرحمن مرآة صادقة للمجتمع السوداني كما رآه وعايشه في وسط السودان ، وللدقة يحكي الفكي عبد الرحمن بأسلوبه الشيق عن المجتمع العروبي الإسلامي الذي نشأ وترعرع فيه .

بديري دهشمي "تشيقن "

يقول الفكي عن نفسه أنه بديري دهشمي " تشيقن " صار شايقيا شكلا ومضمونا ، ثم يبدأ سرد مرحلة الطفولة منذ سنواته الأولى في بيت جده في تنقاسي ، ثم هو يتعلم في الخلوة ، يحكي كل ذلك بصدق وبراعة ، فنعرف كيف جلده الشيخ وهو طفل صغير ، يقول : وبسوط له لسانان ألهب قفاي – يضرب ويلعن – فأصرخ وأتلوى وأتوسل واستنجد ، فيهيج الشيخ ويزيد سبا وضربا .

ولم يكن أمام ذلك الطفل الغرير وهو بين يدي شيخه وجلاده سوى أن يتبول في يدي الشيخ ، يصف الفكي هذه اللحظة قائلا : إستجاب جسدي للألم ، وشعر الشيخ ببلل على يده التي تمسك بقميصي فدفع بي بعيدا وهو يردد " نجس " .

ويكبر ذلك الطفل فيصير صبيا ويذهب إلى سوق تنقاسي في معية أقرانه كبار السن ، ويستطرد الفكي في سرد عالم الطفولة البكر ، ويحكي لنا حضور علي الميرغني في زيارة له إلى تنقاسي ، وهنا نحس ببذور المسرحي والقاص الذي يكمن في داخل هذا الطفل ونقرأ : الرجال والنساء والأطفال ، يبكون يضحكون ويجرون العميان يشيل المكسر ، وتجري عائشة مع الجارين تجرني تدفعني – ترفعني –تهددني – تهدهدني .

وحين وصلنا مكان الاحتفال كنت كما ولدتني، ولولا حرصها وحرص الاخريات على فلذات اكبادهن لدهستنا ارجل القوم وهم لا يعون. ويكبر الفتى وينتقل الى مرحلة دراسية اخرى هي المدرسة ويخرج من فضاء البيت الى فضاء القرية، حيث يسيطر عالم السوق والتجارة والزراعة. وهنا يسرد لنا الفكي عالم السوق وكأنه يحمل آلة تصوير تصور دقائق الموقف فيصور الانسان والحيوان والمكان بكل ضجيجه وحيويته ويقف أمام بعض الشخصيات النمطية التي عادة ما تكون معروفة في مثل هذه الفضاءات، منها ود الاوسطى «ربعة قمحي اللون، نظيف جداً جسماً وزياً، بالحناء يصبغ لحيته وبالاثمد يكحل عينيه ويتعطر بماء الصندل. ويحكي عن زكي وزكية من الغجر وعن ابوشبال وغيرهم. وهكذا نمضي مع الفكي وننتقل الى مدينة عطبرة او اتبرة كما يسميها الفكي ويحكي عن بيت الشبلاب الذي ينتمي اليه وعن الليلية والختمية يختمون الالواح في المولد:





يا رب بهم وبآلهم





عجل بالنصر وبالفرج





واشغل اعداي بانفسهم





وابليهم ربي بالمرج





ويشرح الفكي باسلوبه الفكه كلمة المرج قائلا انها «حكة تصيب المنكر في مكان يتحرج ان يهرشه امام الناس» ومن اتبرة ينتقل الفكي الى بخت الرضا ويحكي ذكرياته في هذا العالم الغني المدهش، ويصف لنا الاسباب التي دعت الانجليز لاختيار بخت الرضا لانشاء اول معهد لتدريب المعلمين ولماذا فضلت على الهلالية والدويم وهنا يشير الكاتب الى دأب الانجليز ودقتهم في اطار القرار فقد شهدت هذه القرية التي دخلت تاريخ السودان من أوسع أبوابه نضوج واكتمال شخصية الكاتب، كما ان القرية كانت البوتقة التي انصهرت فيها ثقافات السودان المتنوعة والمتعددة.





تخرج الطالب الفكي عبدالرحمن ليصير معلماً للكتاب بعد تدريب ممتاز وصقل للخبرات والمهارات، ليس اقلها النشاط المسرحي وتمثيل روايات من الادب العالمي مثل مسرحيات شكسبير حيث اخرجت مسرحية هاملت التي تم تعريبها يقول الفكي «مارس 1945 مثلنا مسرحية هاملت وقمت بدور حفار القبور. حفرت وشربت وغنيت وعبثت بجماجم الموتى، لاشك ان تجربة بخت الرضا ودور خريجيها مما يحتاج للتوثيق والدراسة، وتبقى مساهمة الفكي عبدالرحمن رائدة في هذا الصدد ويضيف في ثراء هذه الشهادة كونها شهادة من الداخل ومن شخص حظي بذاكرة فتوغرافية اضافة الى اسلوبه القصصي البارع في سرد ذكرياته. تنتنهي ايام بخت الرضا ويأخذنا الكاتب في أول رحلاته خارج السودان، حيث ابتعث الى مصر لدراسة المسرح عام 1953 ثم الى المملكة المتحدة بعد ذلك، ويتوقف الكاتب طويلاً في تجربته في المملكة المتحدة وليس هذا بغريب فالكاتب ينتمي لطلائع السودانيين الذين ابتعثوا الى هناك وكانت لهم تجربة ثرة وعمل الكثيرون من هذه الطلائع على تسجيل التجربة، كل بأسلوبه.





ثم يحكي الفكي عن انشاء اول اتحاد للطلبة السودانيين في المملكة في عام 1956م ويشير الى ان هذا الاتحاد كان الأول من نوعه بالمملكة المتحدة. ونمضي مع الكاتب في سرد ذكرياته في لندن حيث عمل في هيئة الاذاعة البريطانية يقول «فقد اختارني المخرج الطيب صالح متعاونا مع الاذاعة شرفني الطيب صالح بالاشتراك مع يوسف بك وهبي فسجلنا بعض اعمال وليام شكسبير باللغة العربية ـ اخراج الطيب صالح. وينتهي هذا الجزء باشارة خاصة لاسلوب التدريس ببخت الرضا وذلك بعد ان التحق الكاتب معلماً بالمعهد.





في ذكرى رحيله العاشرة " 3 "


الفكي عبد الرحمن أبو المسرح السوداني الحديث

بديري دهشمي " تشيقن" ومن أولاد تنقاسي

في طفولته جلده شيخه وفي رجولته بنى المسرح

بقلم : بدرالدين حسن علي

الفكي والكتابة

الفكي عبد الرحمن لم يكن عاشقا للكتابة بل عاشقا للمسرح ذات نفسه ، مهتما بتطويره وتخليصه من مشاكله الكثيرة خاصة مع المسؤولين في وزارة الإعلام ، والذين خاض معهم معارك طاحنة إنتصر في بعضها وانهزم في البعض الآخر ، ولكنه وضع اللبنات الأساسية لإزدهار المسرح ,

في مجال التأليف له كتاب معروف لدى المسرحيين بعنوان " كان يا ما كان " وهو كتاب ممتع جدا يقص فيه سيرته الذاتية وحكايته مع المسرح ، وفيه معلومات مفيدة جدا عن طفولته وحديث رائع عن منطقة الشايقية في ذلك الزمان .

اهدى الفكي عبد الرحمن كتابه إلى د.أحمد الطيب – طيب الله ثراه – الذي كان فنانا مسرحيا تابغا وأنا أسميه " أبو معهد بخت الرضا " ، كما أهداه للأستاذ أحمد الطيب زين العابدين ، ويقول أنه كان من المفترض أن يكون الكتاب من خمسة أجزاء ، في الجزء الأول يتناول الفترة من 1933 إلى 1960 وهي الفترة التي يسهب فيها الحديث عن تنقاسي وعطبرة وبخت الرضا ، وفي الجزء الثاني يتناول الفترة من 1963 إلى 1975 وهي عن الخرطوم والمسرح القومي وأماكن أخرى ، ثم فترة إدارته للمسرح القومي بأم درمان للفترة من عام 1967 وحتى عام 1975 عندما أصبح مدير إدارة الفنون المسرحية والإستعراضية ، وفي العام 1975 وتحديدا في خمسة مايو تم فصلي بخطاب من صفحتين من الخدمة وعدم تعاوني مع الصحافة والإذاعة والتلفزيون والمسرح ، وبسرعة هائلة إستخرجوا مستحقاتي في إشارة واضحة لطوي صفحتي مع وزارة الإعلام ، ولكن ذلك الفصل التعسفي أتى بنتائج إيجابية كثيرة ضد قرار الفصل ، في مقدمتها رفض الكاتب المسرحي الشاعر هاشم صديق لمنحة الحكومة عندما كان يدرس المسرح في المملكة المتحدة ووقوف أهل المسرح إلى جانب قضيتي العادلة .

فكرة الكتاب تعود لسنوات طويلة سبقت التنفيذ حدثني عنها الفكي عدة مرات ، واطلعت على الصفحات الأولى من الكتاب وشجعته على إكمال مشروعه خاصة وأن التوثيق للمسرح كان شحيحا جدا في تلك الفترة ، ولعل المساهمة البارزة كانت كتاب عثمان جعفر النصيري " المسرح في السودان من 1905 إلى 1915 " ثم قمت بتأليف كتابي الأول عن المسرح السوداني وأنا في الخارج وضاعت مسودته خلال إجتياح العراق لدولة الكويت ومن ضمن ذلك الخراب الذي لحق مطبعة الطليعة الكويتية والخراب الآخر الذي لحق شقتي في حي السالمية بالكويت ولذا كنت من أكثر المتضررين من الغزو العراقي للكويت .

بعد تأسيس إدارة الفنون المسرحية والإستعراضية جاء الفنان مكي سنادة مديرا للمسرح القومي وكنت منشغلا بمغادرة السودان بحثا عن عمل وتلك قصة طويلة سأحكيها في مجال آخر ، المهم أن أهم جزء في كتاب الفكي كان عن المسرح السوداني ، وحسنا أن الكتاب قد طبع وصدرفي أبريل عام 2003 عن دار نشر سولو للطباعة والنشر من 112 صفحة ، ثم كان رحيل الفكي عبد الرحمن في يوليو من نفس العام وتلقيت خبر وفاته بالهاتف .

في ذكرى رحيله العاشرة "2"


الفكي عبد الرحمن أبو المسرح السوداني الحديث

بديري دهشمي " تشيقن " ومن أولاد تنقاسي

في طفولته جلده شيخه وفي رجولته بنى المسرح

بقلم : بدرالدين حسن علي

من وصايا الفكي



الفكي عبد الرحمن أو أبو طارق أو أبو هويدا كان سلوكه معي ديموقراطيا إلى أقصى حد ، أخطأت معه في حياته ثلاث مرات وفي جميعهن سامحني ، وقال لي أنت لست إبن أختي فقط أنت صديقي ، وبكيت من مسامحته ثلاث مرات وفي كل مرة كان يقول لي " البكا للنسوان " وكان ذلك يضايقني كثيرا لأنني كنت أؤمن تماما بأن البكاء والخجل عاطفتان ثوريتان .



أقول لكم أصدقائي ومعارفي أنا الان تجاوزت الستينات ، لم أستسلم أو أضعف أمام أي شخص أو نظام أو سلطة ، عشت كل حياتي مرفوع الرأس وأفتخر بذلك وسأظل هكذا مدى الحياة ، لم تكن معي في أحسن الحالات إلا بضع دراهم تسد جوعي ، لم أسرق في حياتي قط ، ولم أزن في حياتي قط ، عملا بما كانت تحكيه لي جدتي الكبيرة .

كانت تقول لي بما معناه : جاء رجل في ذات يوم من الأيام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فسأله : هل المسلم يسرق ؟

فقال " ص " نعم

فسأله وهل المسلم يزني ؟

فقال " ص " نعم

فسأله وهل المسلم يقتل ؟

فقال " ص " نعم

إحتار الرجل فقال لرسول الله " ص " وما هو الشيء الذي لا يفعله

المسلم ؟

فقال الرسول " ص " المسلم لا يكذب

إحتار الرجل ثانية وقال : ولم يا رسول الله ؟

فقال له لأن من يكذب يمكن أن يفعل كل تلك الموبقات .

وددت أن أحكي لكم هذه القصة لأن خالي الفكي عبدالرحمن ومنذ أن عرفته وحتى مماته لم يكذب قط لدرجة أنه صفعني بحنق شديد عندما حاولت التغطية على من أحب ، وفي ذلك كان معلمي الأول والدي والثاني الفكي عبد الرحمن والثالث صديقي محجوب شريف لأنهم جميعا لم يكذبوا في حياتهم قط ، لم يكن سياسيا ولكن كانت تبهرني سياسته، وقد مرت به حالات من الظروف الصعبة إبان سنوات جعفر نميري كانت تدعوه للكذب ولم يفعل ، فأحالوه للمعاش وعاش بقية حياته معززا مكرما وكان قد أنهى بناء بيته بالصافية " الذي بناه كما غنى سيد خليفة قشة قشة " ، وظل محافظا على صداقته مع كزام صاحب محلات الأفراح المشهور وعيسى للموبيليات ، أذكر جيدا أنني ذهبت إليه لأودعه في رحلة غربتي الثالثة فقال لي : " أوعك تكذب "! و نفذت وصيته ، لا أطيق الرجل الكذاب وأؤمن أن الكذب شر مستطير ، وعندما أفقد كذابا أشعر بفرح شديد .

الفكي والده جدنا الكبير عبد الرحمن عمر الشبلي ، ووالدته السيدة الفضلى عائشة محمد سعد ، هذه السيدة كانت تقيم مع الفكي في داره العامرة سواء في بيت المال أو الصافية ، وقد بلغت من العمر عتيا ، ولكني كنت أحبها كثيرا ، وأغتنم كل مناسبة لأجلس بقربها تحكي لي عن ذكرياتها وأحكي لها عن البنت التي أحبها والمشاكل التي بيني وبينها ، ودائما ما تكرر عبارة " إنت يا البدري ولد ممسوخ " ، أحببتها لدرجة الإستماع لكل قصصها وحكاياتها ال : تجنن " وكثيرا ما كنت أحضر حبيبتي إلى المزل سواء في بيت المال أو في الصافية ، وكانت آمنه عبد القادر تعرف هذا جيدا ولكنها لا تتحدث حوله إطلاقا ، فقد كانت إمرأة عظيمة حقا وزوجة رجل عظيم حقا ، لدرجة أني هجرت داري ولازمت دار الفكي وآمنه ، ونشأت علاقة حميمة جدا بيني وبين أطفالهم ، اليوم كبروا الأطفال وتزوج من تزوج وخلف من خلف وكبرت العائلة وإزداد عددها ولكن ظلت العاطفة نحوهم كما هي ، لا يضايقوني ولا أضايقهم ولكني أتمنى أن ألتقيهم .

اليوم كريمته هويدا أصبحت إمرأة وزوجة ولم أحضر زفافها بسبب إنشغالي بالسياسة والغربة ، ولا أعرف حتى أولادها ولم ألتقيهم أصلا فأنا أعرف فقط " الشجر الكبار " الفكي وآمنة " وأعرف جدتي " عيشه " .



الفكي

في ذكرى رحيله العاشرة " 1"


الفكي عبد الرحمن من الألف الى العين



بقلم : بدرالدين حسن علي

قبل فترة وجيزة كان قد إتصل بي أحد طلابي في المسرح طلب مني أن أكتب عن الفكي عبد الرحمن ، قلت له من الصعب جدا ان تكتب عن شخص هو قريب منك مثل حبل الوريد ، بل تكاد تحس بأنفاسه ، هذا هو حالي مع الراحل المقيم الأستاذ الفنان الفكي عبدالرحمن الشبلي ، فالكتابة عنه ثلاثية الأبعاد ، البعد الأول هو خالي وهذا أمر مهم جدا ، والبعد الثاني هو أستاذي ومعلمي في أشياء كثيرة ، والبعد الثالث أنه فنان بحق وحقيقة .

في البعد الأول كان بمثابة والدي وشبيها به ، وفي البعد الثاني علمني كيف أقرأ المسرح من الألف إلى الياء ، فتح لي مكتبته العامرة بمئات الكتب في شتى ميادين المعرفة والعلوم ، سرقت نصف كتبه وحولتها إلى منزلنا ، وكان يعلم ذلك بالتفصيل الممل ، ولكنه لم يسألني إطلاقا إلى أن فارق الدنيا وهو الذي بنى مكتبته بعرق جبينه وكان يعتبرها كل حياته ، وكان يقول لزوجته آمنه عبد القادر : كل أمنيتي أن " يطلع بدرالدين هذا راجل إبن راجل والحمد لله أنني طلعت راجل إبن راجل "، ولما إشتد بي الحنق والغيظ إعترفت له ، فقال لي جملة واحدة " الكتب التي سرقتها حلالك بلالك " فقط يا صديقي لا تبخل بها على أشقائك وأصدقائك دعهم أيضا يسرقونها منك " . وهذا ما حصل لقد سرقت مني كل الكتب التي سرقتها من خالي ولكن برضائي ، أما في البعد الثالث وهذا هو الذي يهمني أنه فنان أصيل ، والأمر الأهم من ذلك إنقطاعي الطويل عن المسرح وتغير الكثير من الأشياء في العالم وفي حياتي شخصيا ومع ذلك سأغامر بالكتابة حتى لا يقولون أني بخيل .



هذه الأيام تمر ذكرى رحيله العاشرة فحاصرتني ذكراه وموته الفاجع المؤلم ، وما كنت أظن أني سأغيب عن تشييع جنازته ، خاصة وقد طلب مني في آخر محادثة هاتفية معه قبل رحيله بالعودة إلى السودان قائلا أن الكثيرين من أهل المسرح يسألون عني وذكر تحديدا إسم الصديق العزيز مكي سنادة ، بل ما كنت أظن أن علاقتي ستنقطع بأسرته الرائعة التي عشت معهم الكثير من السنوات منذ منزلهم في بيت المال ثم رحيلهم إلى الصافية ، فلم أستطع فعل شيء سوى الإتصال بالأخت العزيزة زوجته آمنه عبد القادر التي تشرفت بمعرفة معظم أفراد أسرتها الذين أكن لهم كل التقدير والإحترام .

الشبلي وأحلام جبرة

باديء ذي بدء عندما أتذكر الفكي عبد الرحمن تتداعى كل الذكريات الحلوة الرائعة التي قضيتها مع شقيقه من والده الكاتب المسرحي الأستاذ الفنان عبد الرحيم الشبلي ، وأتذكر مسرحيته الشهيرة " أحلام جبرة " التي قدمت من على خشبة المسرح القومي بأم درمان في ستينات القرن الماضي بطولة صديقي العزيز الفنان الكوميدي الرائع يحي الحاج وأتذكر زوجته منى وشقيقتها الممثلة المبدعة سميه عبد اللطيف ، كما أتذكر الإنسان الرائع عثمان قمر الأنبياء مخرج المسرحية ، وعبد الرحيم الشبلي هذا تعلمت منه الكثير والذي لا يمكن أن أنساه فقد كان نعم الصديق والأخ بطيبته وبشاشته ، وقد سعدت بمشاركنه زواجه في أم روابة من الأستاذة زينب حسن وهما الآن مغتربان في دولة قطر ولهما من الأبناء محمد وأحمد وأمجد .

" أحلام جبرة " كانت هي المحطة الثانية في علاقتي بالمخابرات السودانية بعد إعتقالي ألأول الذي تم على طيب الذكر الفريق إبراهيم عبود نتيجة قناعتي الكاملة بالظلم الذي وقع على أهلي في الجنوب ، فسألوني : من هو العامل " جبرة " ؟ فقلت لهم لا أعرف ، أسألوا المؤلف ، واستمر التحقيق الغبي . لم أتحدث مطلقا مع عبد الرحيم في هذا الأمر لأني قررت وقتها أن أتحمل كامل المسؤولية في أمر كتابتي عن مسرحية " أحلام جبرة""







الخميس، 6 سبتمبر 2012

مهرجان أدنبرة






مهرجان أدنبرة العالمي للكتاب

زمان التلاقح والتلاقي بين الرياضة والعقل

كتب: بدرالدين حسن علي

بدات حياتي في الرياضة كلاعب كرة قدم وأعطيتها كل وقتي لاعبا وإداريا ، ثم طلقتها عندما شتم أحدهم شقيقي الأصغر وصاح " أمسكوا ود العاهرة " ، خبطته بحمق وانتهى العرس الكروي نهاية حزينة ، ذلك زمان ولى ، اصبح ماضيا قبيحا ، اليوم تغيرت كليا ملامح وقواعد الرياضة ، إبداع يفوق الخيال ، قبل أيام إنتهت فعاليات أولمبياد لندن 2012 ، والتي أجاد فيها البريطانيون إفتتاحا وإختتاما والتي تابعتها بجمبع تفاصيلها وهو ما يعود للتغطية المتميزة للفريق الإعلامي الرياضي الكندي ، شاهدت شيئا ساحرا جميلا فاتنا تمنيت لو يعود الزمن واختار من جديد ، ولكني لست حزينا فأولمبياد لندن كان مهرجانا رياضيا بحتا حلق فيه مئات الرياضيين من شتى بقاع العالم ونافسوا بقوة من أجل حصد الميداليات الذهبية والفضية والبرونزية ، وجاءت الولايات المتحدة أولا ثم الصين ، بالنسبة لي كان مهرجانا للمتعة الرياضية ، ولكن مجالي يختلف !

وقبل أيا م أيضا من ختام أولمبياد لندن إستقبلت مدينة أدنبرة البريطانية الجميلة فعاليات مهرجان أدنبرة العالمي للكتاب مما يدل على ذكاء الإنكليز في الربط بين الرياضة والقراءة ، فإذا كنت لا تعشق الرياضة ها هو مهرجان عالمي للقراءة ، هكذا خلال عدة أسابيع نستمتع بفنون الجسم وفنون العقل .

افتتح مهرجان أدنبرة العالمي للكتاب فعالياته "من 9 أغسطس إلى 2 سبتمبر" بعروض مسرحية وموسيقية وراقصة، من بينها مسرحية ويليام شكسبير "مكبث" (انتاج بولوني) جرى تحويل أحداثها لتدور في الشرق الأوسط ، وكنا قد قدمناها في السودان في السبعينات من القرن الماضي .

كما تم تقديم مسرحية "سيدتي الجميلة" بإخراج السويسري كريستوف مارتالر، و هي مسرحية مستوحاة من قصة جول فيرن، أخرجتها الفرنسية أريان منوشكين. ولم يقتصر الاحتفال على الكتب وعروض المسرح فقط بل قدم المهرجان عروضا راقصة وموسيقية شارك فيها 3 آلاف فنان من 47 دولة ، هكذا كان المسرح موجودا وكان شكسبير موجودا واختياري لم يكن خاطئا .

ومن أهم الموضوعات التي هيمنت على أجندة المهرجان هو الربيع العربي، حيث أخذ نصيبه الكبير على مائدة مهرجان أدنبرة الدولي والأحداث السياسية العالمية، وهو الآن يفرض نفسه على مائدة البحث الثقافي في "معرض أدنبرة الدولي للكتاب". ويشارك أكثر من 800 كاتب ينحدرون من 45 دولة، كما يتضمن نحو 750 حدثا ثقافيا ، إذن إختياري السياسي لم يكن خاطئا ، وصرح مدير المهرجان نيك بارلي، بأن المهرجان سيكون بمثابة "أولمبياد للعقل"، مع عدد من كبار المؤلفين، يناقشون أفكاراً وقضايا كبرى. وأكد أن إقامة المعرض قبل أيام من ختام دورة الألعاب الأولمبية لندن 2012، سيربط بين رياضة الجسم ورياضة العقل وهي القراءة.

وأضاف: "لقد حصلنا على الأولمبياد واستمتعنا برؤية الرياضيين يفوزون بالميداليات، وأعتقد أن الناس الآن يمكن أن يتحولوا إلى نشاط آخر وهو نشاط العقل". وأوضح أن الأولمبياد الآن هو أولمبياد العقل، إذ يتجمع الناس لتبادل الآراء والأفكار، فيما نكون وماذا نريد أن نفعل، مشيرا إلى أن دخول المعرض مجاني وليس كما هو الحال في الأولمبياد.

وبحث عدد من المشاركين أسباب الثورات العربية وتطورات هذه الثورات وتأثيرها في العالم، إنه فعلا زمان التلاقح والتلاقي بين الرياضة والعقل .



يوسف خليل الرجل الأسطورة

يوسف خليل الرجل الأسطورة


صفحة نيرة من صفحات المسرح والشعر السوداني

بقلم : بدرالدين حسن علي

ولست أبالغ في هذا ، إنه بالفعل أسطورة لن يجود الزمان بمثله ، بالطبع لي أصدقاء كثيرون سواء في السودان أو في المهاجر ولكن يوسف خليل يختلف ولو كان لي صديق واحد لما ترددت في الإشارة إليه ، رحل عنا في غفلة من الزمان وهو في غربة إضطرارية مشى إليها " مجبرا أخاك لا بطل " بعد أن ساءت الأحوال في السودان وتغيرت الكثير من الأشياء التي لا تشبهه ، حمل شعره ومسرحياته ونصوصه الأخرى وخرج ، وكان متألما جدا لذلك الخروج القاتل لأديب وفنان مقاتل بمعنى الكلمة .

تعرفت عليه قبل رحيله في 25 يوليو عام 2005 بالخرطوم -واليوم 25 يوليو 2012 - منهيا بذلك رحلة طويلة من الإبداع دامت سنين وسنين ، وخلف الكثير من الوثائق الفنية والأدبية والسياسية ، ولا زلت حتى اليوم أذكر فرحه الكبير عندما علم أني أصبحت سكرتير لجنة النصوص بالمسرح القومي بأم درمان ، كان ذلك في نهاية الستينات وبداية السبعينات من القرن الماضي، عندما كنت ألتقيه تقريبا كل يوم في " الحوش " وهي التسمية المحببة لنا وتعني –الإذاعة والتلفزيون والمسرح– جاءني يحمل إنتاجه المسرحي والشعري والسينمائي ، كنا تقريبا في نفس العمر ولكني كنت أشعر أمامه بأنه أستاذ وأنه ينبغي علي أن أناديه بهذا المسمى ، والغريب في الأمر أنه أدرك هذا فكان يقول لي " إنت يا البدري صديق عزيز " ثم يمنحني تلك الإبتسامة الموحية التي تنسيني كل أحزاني ومعاناتي فازداد إحتراما له ، وقد سمعت يوما ببيت الشعر الذي يقول " قم للمعلم ووفه التبجيلا كاد المعلم أن يكون رسولا " وكنت أردده على النحو التالي "قم للخليل ووفه التبجيلا كاد الخليل أن يكون رسولا " ، ومناسبة هذا عندما عرض علي صديقي الراحل المقيم عبد الهادي الصديق كتابه المعنون " الصوت والصدى " عن الأستاذ الكبير الفنان خليل فرح فوجدتهما يتشابهان .

أنا أيضا ضاقت بي الحال في السودان عندما تم فصلي من الخدمة في منتصف عام 1975 فخرجت هائما محزونا لا أعرف ما هو المصير ولا أعرف المستقبل، فقد كان كل تفكيري في المسؤولية الضخمة تجاه أخواتي وأخواني ووالدين يكدحان بقوة من أجلنا جميعا ،و بعد رحلة طويلة في المنافي البعيدة والقريبة إستقر بي المقام في الكويت ، وعرفت أنه قد إستقر به المقام في دولة الإمارات العربية المتحدة ، حصلت على هاتفه واتصلت به ودعوته للحضور إلى الكويت وفعل .



قضى معي نحو عشرة أيام كانت هي أجمل أيام حياتي لأنه ملأها ضجيجا غير " إعتيادي " في المسرح والسينما والشعر ...إلخ .

أنا لا أعرف زوجته الكاتبة هدى علي عثمان المعروفة ب " هدى الجزار " رغم أنه حكى لي عنها الكثير ، ولا أعرف أولاده وبناته ولم ألتقيهم جميعا ولكن للحق أقول حكى لي عنهم ، وكم أود الآن أن أتعرف عليهم بقناعة راسخة أنهم لا بد أن يكونوا من الرائعين على غرار والدهم .

سيرته الذاتية تقول : يوسف بن خليل بن يوسف بن حارث الجعفري ، ولد في مدينة دنقلا العرضي في أكتوبر عام 1943، درس بمدرسة السعادة النصفية ثم أتم المرحلة الوسطى بمدرسة الحلة الجديدة بالخرطوم ، ثم إنتقل للكلية القبطية الثانوية والتحق بجامعة القاهرة فرع الخرطوم كلية التجارة 1962 ، عمل بوزارة الري ووزارة الشباب ، إلتحق بالمدرسة العليا للمسرح " هانز- أوتو " بألمانيا الديمقراطية في ذلك الوقت حيث درس الدراماتورجي وهو أول تخصص يدرسه سوداني ، ثم نال دبلوم معهد الإدارة في الخرطوم كما عمل بوزارة الثقافة والإعلام .

كان سكرتيرا لإتحاد أدباء الإمارات ومؤسسا لمسرح الطليعة في خورفكان ، ومديرا إداريا وفنياللمسرح لمدة عشرة أعوام ، إلى جانب إشرافه الثقافي في النادي الأهلي في دبي ، ومؤسس منتدى الثلاثاء ونادي السينما ومشاركا نشطا في فرقة المسرح التجريبي بالنادي ، وقدم لهذا المسرح :

• جسر آرتا للكاتب المسرحي جورج ثيوتوكا

• الإمبراطور جونز

كما قدم لمسرح خورفكان الشعبي مسرحيات : لعبة الكراسي وقدمت في مهرجان دمشق المسرحي العاشر ، غريب بن خلفان ، أوه يا مال ، ليش ومسرحية للأطفال .

ولمسرح الطليعة قدم مسرحيات : أبو زهرة ، السحارة ، البيت ، سلطان الراوي وعطس وفطس .

يوسف خليل لم يكن مبدعا مسرحيا فقط بل كان شاعرا رائعا وله عدد من الدواوين الشعرية بالعامية والفصحى مثل : كلمات من أوضتي الجوانية و" هو بين البداية والفصل الأخير " ، كما له عدد من المجاميع القصصية والأعمال التلفزيونية والسينمائية والمسلسلات الإذاعية ، وكتب بالصحافة والمجلات السودانية والعربية والخليجية ، وهو أيضا ممثل بارع وقد شاهدت له شخصيا بعض الأعمال الدرامية مثل مسلسل أقمار الضواحي وإنهم مسؤوليتي .

يلاحظ مما تقدم كيف هو أولا مجتهد ونبيه وعلى قدر هائل من الإستيعاب وكاتب وفنان شامل ، وفي جميع الوظائف التي تقلدها كان نابغة يشار إليه بالبنان ، وإختصارا لكل شيء أقول أنه كان قاريء جيد وكاتب مبدع وفنان مرموق ومقاتل حقيقي ونموذج يحتذى وتلك كانت نظرتي له .

يوسف سافر إلى الإمارات - كما قلت سابقا – واشتغل في عدة مواقع إلى أن عمل بدائرة الثقافة والإعلام بالشارقة التي ما يزال يعمل فيها أستاذي يوسف عايدابي ومعه الممثلة الرائعة نادية جابر .

مسرحية الزوبعة

كان أول لقاء لي معه في مسرحية الزوبعة للكاتب المسرحي الرائع محمود دياب والتي قام بسودنتها بنفس الإسم وأخرجها للمسرح القومي بأم درمان المخرج الكبير الراحل المقيم عوض محمد عوض ، بمشاركة ممثلين كبار أمثال إسماعيل طه والراحل عوض صديق والطيب المهدي ومحمد رضا حسين وعلي مهدي وكاتب هذه السطور وآخرين ، وقدمناها أيضا على خشبة مسرح واد مدني ومسرح الأبيض ، كانت الزوبعة بالنسبة لكل هؤلاء الممثلين مسرحية على درجة عالية من الكتابة المسرحية الجادة والإخراج الأكثر جدية ، ولكنها كانت بالنسبة لي المدخل الحقيقي لعالم المسرح على الرغم من تجارب سابقة مع عثمان جعفر النصيري والشاعر علي عبد القيوم ، لذا كانت لي مناقشات كثيرة جدا مع المخرج الذي كنت مساعده ومع المسودن يوسف خليل .

يوسف خليل كان أمينا جدا مع مسرحية محمود دياب الأصلية ، فهو حافظ على روح المسرحية ومضمونها وحتى على شخصياتها ، فالمسرحية رغم أنها تجري في بيئة مصرية وحول موضوع في غاية الحساسية - شهادة الزور ومسألة الثأر – إلا أن يوسف جعلها مسرحية سودانية لحما ودما ، وهذا هو الإبداع في السودنة ، أو الإبداع في المسرح ، ولذ أستطيع أن أقول كان يوسف مبدعا ، وقد إلتقيت محمود دياب في القاهرة في السبعينات وحدثته عن المسرحية وكان سعيدا جدا .

الكاتب والمسودن يتخذ فضاء القرية كرمز للوطن ، ليجمع فيه كل النماذج الموبوءة التي يأكل بعضها البعض في سبيل المال والسلطة والنفوذ .. ومسرحية – الزوبعة – التي كتبت بلهجة محلية ذات خصوصية إنسانية لأنها تعالج قضية شهادة الزور ، وإن كانت ضد فرد – أبو شامة – بكل ما يمثله من دعوة للحقد لكننا ومن خلف الأحداث نجد أن شهادة الزور تطرح رؤيا أعمق من الأجواء التي تدور حولها مسرحية – الزوبعة – منذ أضاعت شهادة الزور أبو شامة وحملته إلى السجن واغتصبت أرضه وبقى أبنائه في العراء ..

نفس هذا المفهوم عكسه يوسف خليل، فالقصة الأصلية والمسودنة طرحت ما هو أكبر من مسألة ظلم فردية وعادية .. فالسؤال هنا كم أضاعت شهادات الزور من أوطان وأراضٍ وقرى جميلة بمساحة الوطن ؟ وبمساحة الإنسانية أيضاً .. فأبو شامة في مسرحية محمود دياب الذي اتهم بالقتل زوراً داخل قرية نمت فيها الطحالب ومورس بداخلها القهر ضد البسطاء حتى يكفروا بكل القيم النبيلة .. وصالح الشاب الوديع الذي ينعته أعيان القرية بالأهبل أو المجنون كان أبو شامة " وقام بالدور في النص المسودن الممثل الكبير الطيب المهدي " ، والده أحد دعاة الحق في القرية يكره الظلم والتسلط كذلك تم التخلص منه بشهادة زور جزاءاً له على إيمانه بقيم الخير والعدالة .

لكن الناس لم يكتفوا بسجنه بل اضطهدوا ابنه وحولوه إلى عضو عاطل يكفر بقيم أبيه ، لأن هذه القيم هي التي أدخلته إلى السجن ، وهذا ما فعله يوسف خليل ، وهذا يرمز إلى أن أعداء الإنسانية لا يكتفون بمحاربة كل من يدعو إلى العدالة .. بل يسعون إلى تكفير الأجيال القادمة بهذه القيم ، بمعنى أن الدعوة إلى الحق تتحول إلى اتهام بالجنون وأول مكابدة يواجهها صالح ابن أبو شامة هو تخلي حبيبته حليمة عنه ، وأمامي الآن مسرحية الزوبعة لمحمود دياب وفقدت المسرحية المسودنة ومقالة نقدية لها لم أستطع معرفة اسم كاتبها ، ولكن هذا لا يمنع من إطلاعكم عليها ::

حليمة : تحبني يا صالح ؟ وهل أنا مجنون حتى أتزوجك ليقول الناس تزوجت ألـ ..

حليمة : لا داعي حتى لا تغضب .. لكن .. سأقولها ولتغضب يا صالح .. حتى يقول الناس عني أني تزوجت الأهطل ؟

صالح : أنت أيضاً يا حليمة تقولين عني هذا ؟ أنت أيضاً ؟

حليمة : لست أنا الذي يقول .. لست أنا .. الناس يقولون عنك أهطل .. أهطل ..

صالح : لقد قلت لصابحة أختي كل الناس تكرهنا هنا لماذا لا نترك القرية ونرحل لكنها رفضت ولم تقبل .. قالت لي إن أبانا ليس قاتلاً .. ليس مجرماً .. هم الذين لفقوا هذه التهمة حتى يتخلصوا منه ، أقول لها : إن الشيخ يونس أصبح يكرهنا ، تقول لي أن هذا خيال ، أقول لها أن حليمة تغيرت تقول لي اذهب اسألها لماذا تغيرت وفضلت إبراهيم أو أحمد عليك ؟!!

سرت إشاعة في القرية أن أبا شامة الذي سجن ظلماً منذ عشرين عاماً قد خرج من السجن فقامت الدنيا وارتعدت فرائص الناس تهشمت مواطن الانشراح في جوانحهم .. لماذا ؟

مسرحية ( الزوبعة ) كتبت كنص محلي ، بلهجة محلية ، لكن أي دارس متأني لا يمكنه أن يغفل قوة البناء الدرامي فيها ، فلقد استطاع محمود دياب أن يضع حشداً من المواقف المتصاعدة .. والمتعالية ،

شحن نفسي وتوتر فكل مشهد هو ذروة متصاعدة من المواقف والانتقام ؟



سالم : ( مذعوراً ) ترى بمن سيبدأ أبو شامة – إنه يطلب عشرين رأساً .. وأنا أباً لعيالٍ كثر .

يونس : صابحة ؟ ما الذي أتى بك إلى هنا .. ارجعي يا حاجة صابحة ؟

صابحة : سمعتكم تتحدثون عن ولدي أبو شامة ، الذي سيعود بعد طول غياب .. هذه ليلة عرس يا يونس .. ولدي سيعود الليلة .. سأفرح .. سأشمت بكم جميعاً وبقريتكم الظالمة .

سالم : ( ما يزال مذعوراً ) حاجة صابحة .. أنا .. أنا .. أريد أن أرتمي عليك وأستسمحك .. هات يدك لأقبلها .

صابحة : أبعد يدك عني يا أبو سليم .. يا ضلالي ( للجميع ) جميعكم ضالون ، عشت حتى اليوم الذي يرجع فيه ولدي – كنت دائماً أراه يعود في ليلة قمرية ، وجهه منير ، كم مرة يقول لي : أماه سأعود للقرية الظالمة !

سأعود للذين شهدوا زوراً .

والحوارات والصراع حيث جسد المؤلف حالات الخوف وممن يخافون ؟ ، والجميع مدانون ، ولا يعرف أحد منهم ، من أين سيأتيه القصاص ، ومن أي منفذ سيدخل عليه – أبو شامة – للانتقام .. كل من في القرية ينهشه القلق ، لأن كلاً منهم يعرف أن بيع الوطن – القرية – الرمز – أبو شامة – ليس سهلاً ، بيع مصائر الناس ، هو ذاته بيع الأوطان ، هذه حياة شهود الزور في كل مكان وزمان ، يكتبون بأقلامهم شهادات الردة ، ويزيفون حقائق التاريخ ، مقابل مصالح خوفهم المتراكمة في القرية ، فلكل فرد أهميته .. ولكل شخصية جدواها من خلال قوة في التناول والحوار .. حيث لم يجعل للبطل الفرد مكاناً يذكر فكل شخصية لها بناؤها وعالمها بالرغم من وجود شخصية أبو شامة المحورية الغائبة ، ولم تكن غائبة لبطولتها بل كان الغياب حضوراً دائرياً مهماً كي يعري من خلاله مجموعة من النماذج الطوطمية ، من شعلان صاحب الحجة المزيفة إلى الأعرج الذي ترتعد فرائصه في انتظار المجهول بالرغم من تظاهره بقوة ، والسارقان وليس أبو شامة وقد زرعت ( صابحة ) أم أبو شامة الذعر في قلوب أهل القرية بحديثها الدائم عن عودة ابنها فقد ادعت أنها قد شمت رائحته ، لقد تعلق أبناء القرية بالأوهام من شدة الذعر عندما أيقنوا أن أنف الأم لا تخطئ رائحة أبو شامة الطيبة ! ؟ أم من ابنه المنعوت بالبلاهة ؟ لابد أن هناك ما يخشاه أهل القرية من حضور أبو شامة .. لقد كانوا ينعمون في ظل جلساتهم الحالمة نسوا شهادة الزور، تراكم عليها عشرون عاماً .. فماذا يريد أن يقول كاتب مسرحية الزوبعة ؟ ولماذا أصبحت هذه العودة شبحاً يسيطر على أحداث النص من وراء السطور .. إلى هذه القرية الساكنة عنوة بفعل الكبار الذين فرضوا عليها الدعة والصمت ، لكن النار دائماً تحت الرماد .. فقد بدأت الزوبعة تشد الرجال نحو القرية لتكشف الأوراق أو على الأقل هذا ما أوصى به محمود دياب .

في مسرحية ( الزوبعة ) للكاتب المصري الراحل محمود دياب .. الجميع في انتظار أبو شامة ، يقتلهم الترقب والفزع ، فشهادة الزور شبح مخيف ، وأبو شامة دخل السجن بسبب شهادة زور ضده ، القرية بأكملها تغلي كالمرجل .. ما الذي سيحدث ؟ الجميع قد أساءوا إليه، وهذا أيضا ما فعله يوسف خليل عندما جعل الطيب المهدي يظهر في الفصل الأخير من المسرحية المسودنة

الآن : الجميع في انتظار أبو شامة ، أعادوا له داره وأمواله ، وأبدوا استعدادهم من أجل العمل على زواج حليمة من صالح ، وفسخ خطبتها ( لأبو حمد ) ، رغم أنهم كانوا ينادون صالح ابن أبو شامة ( بالأهطل ) بما فيهم حليمة ذاتها ، فالخوف دفع الجميع للاعتراف بذنوبهم ، منهم من أرجع الدار المسلوبة إلى أبناء أبو شامة ، ومنهم من أرجع أموالاً كانت مسروقة من زوجة الغائب المتوفاة ، ومنهم من قدم اعتذاره ، الجميع يطلبون الصفح لكنهم ينتظرون المجهول خاصة بعد قتل الأعرج الذي وجد مخنوقاً في الجامع بعد المواجهة الساخنة بينه وبين خليل واعترافهما أمام أبناء القرية بأنهما القاتلان ، أن " أبو شامة " جاء ليقتل عشرين رجلاً من القرية ، فلم يعد أحد يجرؤ على الذهاب لسقاية زرعه وإن تعرض للتلف والفساد ، الخوف جعل الكل مذعورين وغريزة حب البقاء جعلتهم يتنازلون مؤقتاً عن شرورهم.

لكن شهادة الزور ماثلة في الأذهان إذ لم يعاقبهم الغائب الحاضر ، الذي لن يأتي ، فحتماً يوماً ما سيعاقبون فلقد دفع هذا الانتظار المرعب الآخرين إلى الصحوة .. الآخرين الذين لم يتلوثوا .

حتى وصول ( أبو طالب ) كان الخوف يمسى ويصبح في القرية ، عند وصول أبو طالب زميل أبو شامة في السجن ، وجد كل الناس مذهولين وانهمرت عليه الأسئلة من كل مكان ( اين أبو شامة )

أبوطالب : آه يا بلد .. منذ الصباح وأنتم مذعورون كل من أراه يسألني عن أبا شامة ، لو كنت أعرف مكاناً آخر ما رجعت إلى هنا إن أبو شامة قتل الأعرج .. استغربت الخبر .. أيها البلهاء .. أبو شامة وصل إلى هنا ؟

كيف أيها الظلمة وأبو شامة شبع موتاً منذ أربعة أعوام .

وهكذا تنتهي أسطورة الغائب لكن في القرية تبدأ أجواء أخرى مغايرة صحيح أن الشرور بدأت تعود لكن هذه المرة وجدت الشرور من يقف في مواجهتها ، لم يعد الصمت على الذل – سيد القرية – لقد غيرت الزوبعة من أفكار الناس وهزت عقولهم – فلن تعود القرية جاحدة لأبنائها كما كانت فلقد أيقن الناس أن شهادات الزور كانت سبباً في ضياع أرض ، وقرية ، ووطن ، وفضاء جميل شوهه الخذلان والخوف .. الزوبعة أيقظت القرية من سباتها وأحيت فيها الإحساس بالأخطار الداهمة ليواجهونها ويمنعون زحفها ويحرقون كل أوراق البهتان والزور والاستحواذ .. الشمس أشرقت على القرية والأنفاس أصبحت غير الأنفاس والوجوه غير الوجوه تغيرت مواقف الناس تجلجلت أركان القرية وكانت هزة في حاجة إليها .. ( أبو شامة ) الغائب الحاضر زرع فيهم كنه الخوف .. الخوف على الأرض والخوف على المستقبل .

عالم من الإبداع

يوسف خليل إلى جانب الزوبعة قدم الخضر وجوابات فرح وهما من إخراج المبدع صلاح تركاب ، وهو الآخر إغترب وفقد المسرح السوداني بإغترابه رمزا مهما جدا في الإخراج والديكور .

ويوسف له أيضا مسرحية اسمها على ما أظن الغول والغريب إلى جانب سودنته الرائعة لمسرحية الكاتب والشاعر الإسباني فيديركو غارسيا لوركا " بيت بيرناندا إلبا " وكانت بإسم " بيت بت المنى بت مساعد ، حكاية سالم السناري ، ضرار الأول ، الرجل الكبير ، السحارة ، من سبق غلب وعنبر عنبر .

هذا الكم الهائل من المسرحيات ويقول البعض المسرح السوداني يعاني أزمة نصوص ، كيف يمكن أن نقبل هذا الحكم القاسي ، وبدلا عن إطلاق الكلام على عواهنه لماذا لا يتم الإتصال بالأستاذة هدى علي عثمان ؟؟؟؟



يوسف له فضل كبير علي لأنه فتح لي الطريق لمعرفة أثنين من عمالقة المسرح العربي والإسباتي وأعني بهما محمود دياب ولوركا ، لدرجة أني إنزويت في مكتبة خالي الراحل المقيم الفكي عبد الرحمن وقرأت جميع أعمالهما باللغة العربية .





.

فيلم الأرض


فيلم الأرض :أفضل الأفلام السينمائية المصرية

فيلم الأمس واليوم والغد طالما هناك طغاة وهناك ثوار

بقلم : بدرالدين حسن علي

باديء ذي بدء أرجوكم قراءة هذا المقال تحت الهجير ..تحت الظلام .. تحت المطر .. الساقية لازم تستمر ، قطعا الكثيرون شاهدوا فيلم الارض وأنا شخصيا أسميه الساقية ، للمبدع المخرج الكبير الراحل المقيم يوسف شاهين ، قصة صراع الفلاح ضد الإقطاع في ثلاثينات القرن الماضي ، والذي يعتبر من افضل الافلام السينمائية المصرية على الاطلاق ، والتي تحدثت عن الفلاح والارض وعن المعتقدات السامية السلمية التي ناشد بها الشخصيات بالفيلم امثال (محمد ابو سويلم)الذي برع الفنان محمود المليجي في تأدية دوره بنجاح ليوصل لنا معأناة الفلاح المصري حينذاك وخاصة عندما روى بدمه ارضه التي دافع عنها كانها شرفه وعرضه ، واليوم يدافع البعض عن شرف الشعب السوداني وعرضه بالكلام الفارغ والجعجعة والتنظير ومسك العصا من وسطها وليس التمسك بالجذور .

تلك المشاهد التي أداها محمود المليجي وتممتها سلاسة عزت العلايلي في إلقاء الضوء على افكار قد تكون بعيدة كل البعد عن افكارنا جعلت منها مشاهد محفورة في ذاكرتنا قبل حفرها في تاريخ السينما المصرية حتى الآن، إن فيلم الارض لم يضع اسقاطات سياسية أبان فترة الثلاثينات فقط وإنما برع الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي والمخرج يوسف شاهين أن يعلمونا وتحن شباب ما هو الإستعمار وما هي الإقطاعية ،وبرع السيناريست حسن فؤاد آنذاك مستوحيا من قصة الكاتب عبد الرحمن الشرقاوي أن يضع سيناريو وحوار شيق يجعلك تشعر معه عند مشاهدته انه يعاصر كل الازمان ويناقش كل ما يحدث فيها ...فيستحق الفيلم ان يكون ضمن افضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية وعلامة بارزة في تاريخها المجيد .

قصة الفيلم

لإنعاش ذاكرتكم فقط تدور أحداث الفيلم في إحدى القرى المصرية عام 1933 ، حيث يفاجأ أهلها بقرار حكومي بتقليل نوبة الري إلى 5 أيام بدلا من 10 أيام ، والماء عصب الحياة لكل مزارع ، فيبلغ العمدة الفلاحين أن نوبة الري أصبحت مناصفة مع أراضي محمود بك الإقطاعي ، فيجتمع رجال القرية للتشاور ويتفقوا على تقديم عريضة للحكومة من خلال محمد أفندي ومحمود بك ، لكن محمود يستغل الموقف وتوقيعاتهم لينشيء طريقا لسرايته من خلال أرضهم الزراعية ، هكذا يصور الكاتب التحالف الذي ينشأ بين الإقطاعية والحكومة ، وفي حالتنا الراهنة بين الصادق المهدي والميرغني والمؤتمر الوطني ، و يثور الفلاحون وعلى رأسهم محمد أبو سويلم دفاعا عن أرضهم ،ولكن لا يستطيع تحالف المزارعين أن يصمد أمام تحالف الإقطاع والحكومة ، ويلقوا الحديد في المياه ، فترسل الحكومة قوات الهجانة لتسيطر على القرية بإعلان حظر التجوال ،ثم يحدث الإنشقاق بين المزارعين وهذا ما ركز عليه الكاتب والمخرج : الإنشقاق وخطورته وما أشبه الليلة بالبارحة ، ويتم إنتزاع الأراضي منهم بالقوة ، ويتصدى محمد أبو سويلم لقوات الأمن ويتم سحله على الأرض وهو يحاول التشبث بالجذور،، هنا يصل الفيلم إلى " الكلايماكس " كما درسونا ، أي إلى القمة ، فالشيخ حسونة " يحي شاهين " هو المناضل الذي يعيش على أمجاده الوطنية السابقة يتخلى في اللحظة الحاسمة عن موقعه النضالي المفترض حتى يضمن مصلحته الخاصة وكذلك المثقف والتاجر وغيرهم ممن خافوا على مصالحهم الفردية الحاصة .

مشاهد لا تنسى

هذا الفيلم شاهدته خمس مرات وفي كل مرة كان يستوقفني مشهد إخراج البقرة التي سقطت من الساقية ، ونزول رجال القرية لإخراجها وتكاتفهم يد بيد وتوحدهم بعد عراك على حصة المياه واكتشافهم أن عراكهم يجب أن يوجه للإقطاع والحكومة ، كما يستوقفني المشهد الذي يجمع ابو سويلم بشباب القرية مع الشيخ حسونة ويحكي لهم كيف كان كفاحهم وهم شباب ، وأنهم لم يخافوا مثلما يحدث حاليا في السودان "الخوف " هذه الكلمة الرهيبة التي كسرها حاليا أهلنا في السودان -ويتحمسون بعدها ويقومون بإلقاء الحديد في الترعة ، ثم مشهد الختام الرائع بسقوط أبو سويلم وسحله على وجهه وتشبثه بالأرض ممسكا عيدا ن القطن وامتزاج دمائه بالأرض ليرويها مع موسيقى علي إسماعيل ، هذا المشهد يستحق أن يكون من أجمل مشاهد السينما العربية والعالمية ، كل ذلك يشعرني بالألم الشديد لأن السينما السودانية لم تستطع الإستفادة من أحداث كثيرة حدثت في السودان مثل حادثة عنبر جودة وثورة اكتوبر وإنتفاضة مارس / أبريل والمظاهرا ت التي يشهدها السودان الآن ، الفيلم برمته إسقاط سياسي واعي أفضل بكثير من البيانات والإجتماعات والجعجعة بلا طحن .

العرض الأول لفيلم الأرض كان عام 1970 ، وبعد عامين فقط على ما أذكر كنت أشاهده في السودان وتكررت مشاهدتي له وظلت صورة الممثل البارع محمود المليجي لا تفارقني ليل نهار بل تسببت في إنحيازي لمظاليم وفقراء السودان وأدت لإعتقالي الثاني في السنوات الأولى لحكم مايو .

بالنسبة لي شخصيا أعتبره أفضل الأفلام التي أنتجتها السينما المصرية عن الفلاح والريف المصري ، إنه فيلم الأمس واليوم والغد طالما هناك طغاة وهناك ثوار ، إنه فيلم خالد ، فيلم الأرض إلى جانب أهميته التاريخية فهناك قيمته الفنية والتقتية وهو أيضا فيلم جماهيري من الدرجة الأولى ، فهو يحمل رؤية فنية وفكرية واضحة ، ويتحدث عن الفلاح والأرض وضرورة الإنتماء إليها ، فيلم يدعو إلى الثورة والدفاع عن مثل هذه المباديء الإنسانية السامية ، ولكن كالعادة أؤذن في مالته!!!!

المسرح السوداني - الحلقة الثالثة والأخيرة


المسرح السوداني بين الأمس واليوم " الحلقة الثالثة والأخيرة "

بقلم : بدرالدين حسن علي



في عام 1967 وكنت ما أزال طالبا في الثانوي العالي بمدرسة الأهلية الثانوية بأمدرمان ، جمعتني عدة جلسات فنية مع خالي الأستاذ الفنان الكبير الراحل المقيم الفكي عبدالرحمن ، كان يقول لي " يا بني مستقبلك في المسرح " ، وكان وقتها قد " سلفني " مجموعة كبيرة من الكتب المسرحية إشترط علي إعادتها حالما أنتهي من قراءتها ، ولكني كنت سيئا جدا في إعادة الكتب لأصحابها ، ولازمتني هذه الخصلة السيئة طوال حياتي المهنية ، إلى أن جاء اليوم الذي دفعت فيه ثمن تلك الضريبة بأن قام أخواني وأصدقائي بالسطو على جميع كتبي المسرحية وغيرها ، وإذا بي أجد مكتبتي فارغة تماما من الكتب ما عدا بعض الكتب الصفراء التي كنت أزين بها مكتبتي ولم تغرني في أي يوم من الأيام بمطالعتها .

في العام 1968 أكملت المرحلة الثانوية العليا ، وتم قبولي بجامعة القاهرة الفرع ، وكان السبب الرئيسي في ذلك نبوغي الفني المبكر علما بأنني كنت أحصد درجات عالية في مادة " الحساب " ، ووجدت نفسي كارها للجامعة ودراساتها ، وكان من الطبيعي أن أتوجه إلى خالي الفكي عبدالرحمن طالبا منه أن يساعدني في العمل بالمسرح القومي ، ولدهشتي الكبيرة وافق خالي مباشرة وطلب مني أن أحضر إلى مكتبه في اليوم التالي .

وكان اليوم التالي علامة فارقة في كل حياتي وما يزال ، فقد تحول حبي وعشقي للمسرح من مجرد علاقة عاطفية وجدانية وهوى مجنون بالكتب وبشكسبير وبريخت وهنريك إبسن وكورني وراسين وموليير والبير كامو وغيرهم من الكتاب والفنانين المسرحيين ، إلى واقع ملموس ،فقد تم تعييني على بند المرحوم الشريف الهندي بالمسرح القومي بأمدرمان وإذا بالفكي يدفعني دفعا إلى المزيد من مطالعة الكتب فيسند لي مسؤولية المكتبة ، وكانت من إغراءاته لي الإلتحاق بمعهد الموسيقى والمسرح دون أن أفقد وظيفتي في المسرح وأيضا الحصول على بعثة دراسية عن المسرح في إحدى الدول الأوروبية ، وقد تحقق الإغراء الأول بينما فشل التخطيط الثاني فشلا ذريعا بسبب العداء الشديد الذي كان بيني وبين الجهاز الأمني الإستخباراتي .

تواصلت التحضيرات والإستعدادات لبداية المواسم المسرحية بالمسرح القومي بأم درمان ، وبتشجيع من خالي الفكي عبدالرحمن و بما توفر لي من ثقافة مسرحية جعلتني محاورا صعبا للفكي عبدالرحمن ذات نفسه عندما يطرح موضوعا للنقاش . كان الفكي ديموقراطيا بل مدرسة في حرية الرأي والتعبير ، وصراحة أقول لقد علمني الفكي فأحسن تعليمي .

خلال هذه الفترة تعرفت على عثمان جعفر النصيري ، وكان قد تخرج لتوه في جامعة الخرطوم والتحق بالعمل بالمسرح القومي بأم درمان لنشاطه المعروف في المسرح الجامعي ، كان النصيري يكبرني بعدة سنوات ، ولكنه فرض علي إحترامه لذكائه الشديد ، وسرعان ما أصبحت متأثرا به تأثيرا شديدا ، كان يزورني في مكتبي وأنا مسؤول مكتبة المسرح القومي التي كانت في بدايتها ، كان يقضي معي فترات طويلة كان لها أكبر الأثر في تحولي الكبير من مجرد شخص عادي إلى شخص آخر .

أحببته كثيرا ، بجسمه النحيف وعينيه الواسعتين وأنف سيرانو دي بيرجراك وأصبحت أزوره في بيته ومنه تعلمت الكثير ، تعلمت الكثير جدا وما زال الود بيني وبينه قائما !!!!!!!!!!!

إغتنمت مسؤوليتي عن المكتبة فعرضت بعض الأفكار على الأستاذ الفكي عبدالرحمن على تطويرها ، وكعادته لم يبخل ، فقد وافق على كل ما عرضت ، وبالطبع إستعنت بصديقي وأستاذي النصيري فقمنا بشراء كمية محترمة من الكتب المسرحية وغيرها من عدد كبير من المكتبات أذكر في مقدمتها كانت مكتبة القدال .

هذا النشاط أوجد نوع من الإحترام بيني وبين بقية الزملاء في المسرح القومي فبادرت إلى إبداء رغبتي لأستاذي الفكي عبدالرحمن بأن أنتقل إلى مجال

آخر.

وفوجئت به أيضا يوافق وينقلني إلى وظيفة مدير خشبة . لم تكن الوظيفة غريبة علي ، بل كنت أفهم كل ما يحيط بها من نظريات ومهام ومسؤوليات وكنت محظوظا جدا بأن إختارني صديقي وأستاذي عثمان جعفر النصيري لكي أكون مدير خشبة لأول عمل مسرحي له ومن تأليفه وإخراجه فكانت مسرحية " مجلس تأديب " ، وتعرفت أيضا على الراحل المقيم الشاعر علي عبدالقيوم وساعدت في إخراج مسرحية حفل سمر لأجل خمسة حزيران ، وكان له أثر كبير في تشكيل رؤيتي المسرحية والسينمائية ، كما تعرفت على د. خالد المبارك ، وكان هناك خالي الآخر عبدالرحيم الشبلي الذي كتب مسرحيته الشهيرة " أحلام جبرة " . وتعرفت أيضا على أساتذة آخرين أمثال إبراهيم شداد والذي تشرفت بالعمل معه في مسرحيته " المشي على الرموش" والأستاذ الراحل المقيم عوض محمد عوض وعملت معه في المسرحية الشهيرة " الزوبعة " كما تعرفت على فنانين مسرحيين آخرين سيأتي ذكرهم في حلقات قادمة ، أمثال الراحل المقيم محمد رضا حسين وتحية زروق وفتحية محمد احمد ونادية بابكر والريح عبدالقادر ومحمد شريف واسماعيل طه وقائمة تطول من الأسماء اللامعة .

إلا أن أهم محطة في حياتي المسرحية هي العلاقة التي نشأت بيني وبين الشاعر والكاتب والناقد والممثل هاشم صديق ، وما زالت هذه العلاقة ومنذ الستينات قائمة إلى الآن ، والواقع أنني إفتقدته كثيرا في سنوات الغربة الممتدة من السبعينات وإلى اليوم ، ولم يغب عن خاطري أبدا ولذا سأحكي عنه وعن بعض التفاصيل الهامة لاحقا .



المسرح السوداني - الحلقة الثانية


المسرح السوداني بين الأمس واليوم "الحلقة الثانية "

بقلم : بدر الدين حسن علي

.



افتتاح المواسم المسرحية للمسرح القومي



كان الشاعر الكبير إبراهيم العبادي قد كتب مسرحية "المك نمر" خلال عقد الثلاثينات لتضاف أيضا لمسرحية تاجوج التي كتبها خالد أبو الروس، وهما مسرحيتان سودانيتان لحماً ودما، ولكن آثر الفكي عبدالرحمن أن يفتتح المواسم المسرحية للمسرح القومي بمسرحية العبادي "المك نمر" حيث قام الفكي بإخراجها، وهي بالمناسبة المسرحية الأولى التي أخرجها الفكي للمسرح القومي وبعدها أخرج مسرحية "على عينك يا تاجر"، ثم توقف عن الإخراج، ذلك لأنه إنشغل بعدها بإدارة شؤون المسرح ذات نفسه وكانت مهمته دون أدنى شك في غاية الصعوبة والتعقيد، لأنه وفي غضون فترة وجيزة تنوعت وإزدادت أنشطة المسرح القومي حتى أصبح قبلة لكل سكان العاصمة المثلثة، فصالة المسرح تمتليء عندما تكون هناك مسرحية كما تمتليء في الحفلات الغنائية بنوعية خاصة من الجمهور يحجزون المقاعد الأمامية تفوح منهم رائحة المسك والعنبر.



لماذا "المك نمر"؟



في إحدى جلسات الغداء سألت الفكي عبد الرحمن: لماذا اخترت مسرحية "المك نمر" كبداية؟ ألم تكن تاجوج أكثر شهرة منها؟ قال لي تاجوج قصة حب لا تختلف كثيراً عن روميو وجوليت رائعة شكسبير الخالدة، ولكني كنت أبحث عن شيء يتعلق بالشخصية السودانية، بالهوية السودانية فوجدت ذلك في "المك نمر"، كنت في ذلك الوقت وأنا ما أزال طالبا بالثانوية كتبت مقالا بمجلة الإذاعة والتلفزيون عن مسرحية "المك نمر" وأشرت في صلب المقال على ما أذكر إلى أن العبادي كان في مسرحيته عروبياً مناصراً للقبائل العربية عندما يتحدث عن الهوية السودانية، بينما الفكي بتدخله في النص المسرحي وإضافة قبيلة الزاندي تمكن من تحويل المسرحية إلى وجهة تعني بكل قبائل السودان" .



سنار المحروسة



"سنار المحروسة" كانت المسرحية الثانية ضمن موسم 1967 – 1968. وهي من تأليف وإخراج الطاهر شبيكة، سليل أسرة شبيكة المعروفة، ومن الواضح جداً أن اسم المسرحية يعكس ما يود شبيكة طرحه في تلك الفترة، وقد كان الفكي عبد الرحمن موفقاً تماماً عندما وقع اختياره على الطاهر شبيكة ومسرحيته "سنار المحروسة"، لأنه بذلك الإختيار ربط مسيرة المسرح السوداني الحديث منذ البداية بالخط الوطني، وهو ما فجر فيما بعد ذلك الصراع الرهيب بين المسرح والسياسة، أو بمعنى أصح بين المسرح والقوى الأمنية التي حاصرته في جميع الأعمال المسرحية التحريضية، كما حاصرت الكتاب والمخرجين الذين آمنوا برسالة المسرح كفن يدعو للتوعية والإدراك والفهم للقضية الوطنية .



خراب سوبـــا



هي المسرحية الثالثة في ذلك الموسم الافتتاحي، وهي أيضا تكشف عن مدى وعي الفكي عبدالرحمن وإدراكه لفن المسرح، والواقع أن المسرحية قدمت بإسم "إبليس"، التي ألفها الكاتب والشاعر القدير خالد أبوالروس عام 1964، وأخرجها أحمد عثمان عيسى، وهي أيضا رغم كثرة الخطوط الدرامية في المسرحية إلا أنها تصب في ذات الوجهة بالبحث عن الهوية حتى في داخل تلك الثورة السنارية المعروفة التي جعلت كتابا وشعراء فيما بعد مثل محمد عبد الحي والنور عثمان أبكر يوجدون ما عرف ب "العودة إلى سنار".



أكل عيش



وهذه هي المسرحية الرابعة والأخيرة التي أختتم بها أول موسم مسرحي للمسرح القومي بأمدرمان، وكانت من تأليف وإخراج الفنان الكوميدي الراحل المقيم، الفاضل سعيد، والذي أصبح فيما بعد من أعمدة كتاب ومخرجي الحركة المسرحية السودانية الحديثة.











المسرح السوداني - الحلقة الأولى


المسرح السوداني بين ألأمس واليوم – الحلقة الأولى



بقلم : بدرالدين حسن علي



في مثل هذه الأيام من عام 1967 كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق من أجل إنطلاق حركة جديدة على خشبة المسرح القومي بأمدرمان، ترأسها باقتدار شد يد الفنان الراحل الفكي عبد الرحمن، وساعده في ذلك نخبة من الفنانين السودانيين في شتى حقول الفن والثقافة، تطوعوا جميعا للعمل من أجل مسرح سوداني أصيل .

كانت البداية صعبة جدا ومليئة بالمخاطر والمغامرة، ولكن ما من أحد كان يحفل بذلك، لقد عقدوا العزم على تحقيق الهدف، بدءا من تغيير صالة

المسرح وخشبته و"البدرون" وكل بما يحيط بالمبنى داخليا وخارجيا، مرورا بالطبع بالمكاتب وغرف المكياج والإضاءة والديكور وغيرها من مستلزمات الفن المسرحي .

ولكن كان أكثر ما يهم الفكي عبد الرحمن هو محتوى ذلك المسرح، بمعنى آخر ما هي نوع المسرحيات التي ستقدم فيه، خاصة وهو يواجه فقرا شديدا في المسرحيات السودانية التي يمكن أن تسد الفراغ، ويواجه فقرا أيضا في القوى البشرية والمادية ومواجهة ثالثة تتمثل في الجهة المشرفة على هذا العمل الكبير والممثلة في وزارة الإعلام .

لن نتوقف هنا طويلا عند تلك المصاعب والتحديات فقد كان الفكي عبد الرحمن الرجل المناسب في المكان المناسب، وكان أولئك النفر في المكان المناسب تماما، أمثال مكي سنادة، عبد الله الشريف، الحارث، محمد عثمان، عمر الفاروق، عثمان قمر الأنبياء، عثمان أحمد حمد "أبو دليبة"، محمود سراج "أبو قبورة"، الفاضل سعيد، عثمان أحمد حميدة "تورالجر"، عبدالوهاب الجعفري، عثمان النصيري، خالد المبارك، علي عبد القيوم، صالح الأمين، مهدي حسن مهدي، حيدر، فاروق، علي أمين المخزن، محمد شريف، محمد عثمان المصري، وكوكبة كبيرة من عمال الديكور والإضاءة والستارة والملابس والميكياج انضم إليهم لاحقا الفنانة ميرفت وأخواتها من الفنانات والموظفات السودانيات، وعم إسماعيل وسابو، صلاح تركاب، تحية زروق، فتحية محمد احمد، علوية، إسماعيل طه، عوض صديق، أنور محمد عثمان، محمد رضا، صلاح قولة، عمر براق، الطاهر شبيكة، عمر الخضر، عوض محمد عوض، الريح عبد القادر، الطيب المهدي، علي مهدي و ألف معذرة للذين سقطت أسماهم في هذه القائمة والذين سيأتي ذكرهم في حلقات قادمة.

كان مشهدا مألوفا ولعدة سنين أن ترى عشرات المشاهدين من وإلى المسرح القومي من أبو روف وبيت المال والموردة والمحطة الوسطى بأمدرمان بأرجلهم مما جعل وزارة المواصلات تخصص باصا لنقلهم من المحطة الوسطى بأم درمان وإلى المسرح القومي حتى أصبح الباص من أشهرها عندما أصبح من ركابه كبار الممثلين والممثلات .

الممثل الكبير عوض صديق مثلا كان يمتلك عربة "فولكسواجن" وكان من الصعب جدا أن يصحبه أي أحد مهما كان في عربته وهو متجها إلى منزله، وكان من الصعب جدا أن تأخذ سيجارة من صندوق علبته "البنسون" والتي على استعداد أن يرميها على الأرض للإيحاء بأنها فارغة، بل كان يصطاد السمك أو يقطف الليمون من النيل ليتجنب شراؤه من السوق .

كان صلاح تركاب يمتلك عربة ومثله أيضا مهدي حسن مهدي وعثمان قمر الأنبياء، وهذا الأخير قدت عربته بدون رخصة وصدمت بها مدخل مكاتب الفنون المسرحية والاستعراضية التي أنشأها الفكي عبد الرحمن مؤخرا وجعل من قمر الأنبياء مديرا لها، وإضطررت أن أدفع مبلغ عشرين جنيها ثمنا لإصلاح ما لحق بها من تلف .

ولكن لم يستطع الفكي أن يجعل المسرح خاصا بتقديم المسرحيات فقد طاردته لعنة حكومة نوفمبر، وهي ذات الحكومة التي بنت المسرح عام 1959 لإشغال الناس بحفلات السمر السودانية والعربية والأجنبية، بل هي كانت الأكثر أهمية من الدراما وكانت تشكل عصب برنامج المسرح القومي لسنين طويلة وحتى عندما نشأت مباني أخرى مثل قاعة الصداقة الصينية السودانية، فانتقلت العدوى إليها وإلى مسارح الأقاليم هي أيضا .

والحقيقة أن الفكي ومجموعة كبيرة من الفنانين المسرحيين بذلوا جهدا كبيرا لجعل المسرح القومي مكانا للاستمتاع بلغة الدراما خاصة وأن عددا كبيرا من خريجي جامعة الخرطوم ومدارس التربية والتعليم ولاحقا معهد الموسيقى والمسرح قد انضموا إلى العاملين بالمسرح القومي مما كان له الأثر الكبير لتثبيت برنامج المسرحيات الدرامية، وتوفير ميزانية خاصة تصرف عليها .

كان الفكي عبد الرحمن متفهما تماما لتعقيدات الأمر، فوزارة الإعلام لم تكن تحفل بالدراما، وبذلك كانت خشبة المسرح القومي بأمدرمان تحفل بالسهرات الغنائية وفرق الفنون الشعبية والأكروبات إلى جانب المسرحيات التي تنوعت اتجاهاتها ما بين مسرحيات سودانية لحما ودما ومسرحيات عربية وإفريقية وحتى من الأدب المسرحي العالمي مما سيأتي ذكره لاحقا .

وسرعان ما اشتدت المنافسة بين مجموعة الدراما ومجموعة الغناء والسمر وهذه الأخيرة أضرت كثيرا بمسيرة المسرح القومي الذي شهدت أروقته صراعا عاتيا بدخول الأجهزة الأمنية الإستخباراتية سواء في فترة الديموقراطية الثانية أو فترة نظام مايو وما بعد ذلك .

ولا يخفى على أحد أن المسرح القومي كان أحد الأضلاع الثلاثة لما كان يطلق عليه "الحوش" أي المسرح، الإذاعة والتلفزيون إلى جانب نشاط خفيف لمركز الإنتاج السينمائي. وعلى الرغم من التعاون الواضح بين هذه الأجهزة إلا أن العبء الأكبر وقع على المسرح القومي في صدامه الشديد والعنيف ضد تدخلات الأجهزة الأمنية مما أيضا سنفصله في حلقة قادمة .















الرقم سبعة والعظماء السبعة




الرقم سبعة والعظماء السبعة

بقلم : بدرالدين حسن علي

من المفترض أن يكون هذا المقال عن الفيلم السينمائي الشهير " العظماء السبعة " ، ولكن الرقم سبعة لفت إنتباهي لأني وجدت أن هناك أشياء كثيرة جدا في هذه الدنيا العجيبة الغريبة تحمل الرقم سبعة ، والقراء يحبون الأشياء الخفيفة القصيرة الفكهة الممتعة غير المملة ، فمثلا إذا كتبت موضوعا عن السينما أو المسرح ستجد من يقول عني " بالله شوف اللزج ده عامل فيها مثقف " فلا يقرأ ما كتبت وبذلك أكون " أنا الخسران " لأني كتبت ما كتبت كي يقرأه الناس ، فقلت " يا ود خليك شاطرو أكتب عن الفيلم والرقم سبعة بطريقة فكهة وممتعة " لأني عندما درست الصحافة قال لنا أستاذنا : إذا كتبت أن كلبا عض إنسانا فلن يهتم القاريء ، أما إذا كتبت أن إنسانا عض كلبا سيستغرب القاريء ويقرأ مقالك ،وهانذا أكتب على طريقة أستاذي .

مثلا عدد السماوات سبعة وعدد عجائب الدنيا سبعة وعدد أيام الأسبوع سبعة ، والطواف حول الكعبة سبعة والسعي بين الصفا والمروة سبعة ورمي الجمرات سبعة وعدد آيات سورة الفاتحة سبعة وعدد أبواب جهنم سبعة ، وعدد البحار سبعة وعدد قارات العالم سبعة ، ومخارج الرأس سبعة وهي : العينان ، المنخاران ، الأذنان والفم ، وقوس قزح ألوانه سبعة : بنفسجي – نيلي – أزرق – أخضر- أصفر - ليموني- وأحمر .

دوليا الكبار سبعة : الولايات المتحدة – كندا – فرنسا – بريطانيا – ألمانيا - إيطاليا واليابان ، وفي بلاد الواقواق ثمانية بإضافة السودان .

وفي المسرح لاحظت أن أول كاتب مسرحي الإغريقي سوفو كليس كتب مائة وعشرين مسرحية لم يبق منها غير سبعة وهي : أجاكس ، أنتيغونا ، أوديب ملكا ، أوديب في كولون ، إلكترا ، فيلوكتيب والتراخينات وفي الطرب الكبار سبعة وهم : محمد عبد الوهاب ، رياض السنباطي ، محمد القصبجي ، زكريا أحمد ، سيد درويش ، أم كلثوم وإسمهان .وفي مصر يقولون ثمانية بإضافة شعبان عبد الرحيم " شعبولا " وفي السودان على نظرية الكاتبة المطربة الشهيرة إلهام عبد الخالق سبعة وهم : عاشة الفلاتية ، عاشة ، الفلاتية ، الفلاتية عاشة ، الفلاتية الفلاتية ، عاشة عاشة و الفلاتية الفلاتية عاشة .

اللغات القديمة الأساسية سبعة : العربية ، العبرانية ، السريانية ، اليونانية ، الهندية ، الرومانية والفارسية . وعند أهل خليل فرح ثمانية بإضافة النوبية ، والفنون الحرة سبعة وهي : النحو ، المنطق ، الخطابة ، الهندسة ، الحساب ، الفلك والموسيقى " وبالمناسبة دي " مفاتيح السلم الموسيقي سبعة وهي : دو- ري- مي- فا- صول- لا – سي .

الكواكب القديمة سبعة ، أوتار القيثارة سبعة ، العصافير السحرية سبعة وهي : البجعة ، البومة ، الرخ ، اليمامة ، اللقلاق ، النسر ، والهدهد ، والسمكات السحرية سبعة ، والحيوانات السحرية سبعة وهي : الأسد ،

الهر ، الثعلب ، التيس ، القرد ، الجمل والخلد ، وفي "ناس بقولوا ثمانية بإضافة المؤتمر الوطني .

المعادن السحرية سبعة : الذهب ، الفضة ، الحديد ، القصدير ، الزئبق ، النحاس والرصاص ، وشذاذ الآفاق كتبوا ثمانية بإضافة " البنمبان " .

ويطلق على السينما " الفن السابع " ، وقد أنتجت الكثير من الأفلام السينمائية بعنوان الرقم سبعة مثل : القراصنة السبعة ، سبع سنوات من التعاسة ، الخاتم السابع ، العلامة السابعة ، الساموراي السبعة والعظماء السبعة وهذا هو موضوعنا .

فبعد قرابة الشهرين من إعلان الممثل الموهوب توم كروز عن حماسه الشديد لتقديم نسخة جديدة من الفيلم الكلاسيكي " العظماء السبعة " بدأ بالفعل في خطواته نحو تنفيذ المشروع ، بعد أن كلف الكاتب " نيك بيزولاتو " بكتابة سياريو للفيلم الجديد ، وتعد النقطة الأغرب في هذا الإختيار أن " بيزاتو " لم يسبق له الكتابة للسينما ، فهو روائي شاب قدم عملين فقط نال عنهما الكثير من الجوائز ، ومن ضمنها أفضل عمل أول من رابطة كتاب أمريكا ولم تتم الإشارة إلى سبب إختيار كروز

ل " بيزاتو " تحديدا لكتابة الفيلم ، لكن الأخير صرح أنه سيحاول نقل القصة الكلاسيكية إلى الواقع أكثر .

القصة المعروفة تدور حول سبعة رجال يقومون بحماية قرية من هجوم غاشم ، وتم تقديمها لأول مرة عام 1954 في الفيلم الياباني " الساموراي السبعة " للمخرج الياباني الشهير " أكيرا كوراساوا " ، ثم اقتبسته السينما الأمريكية عام 1960 في فيلم " العظماء السبعة " للمخرج " جون ستورجيز " ، بالإضافة إلى نسخ سينمائية عديدة حول العالم ، وقد كنت محظوظا لأني شاهدت إحداها : الفيلم المصري " شمس الزناتي " بطولة أعظم سبعة مصريين : عادل إمام ، محمود حميدة ، محمود الجندي ، أحمد ماهر ، مصطفى متولي ، عبد الله محمود وإبراهيم نصر .

الخبر المهم جدا عندما إتصل بي أمس الأول المخرج السينمائي السوداني "وما في داعي لذكر اسمه " قائلا : أن السينما السودانية ستنتج فيلما بعنوان "عظماء المؤتمر السبعة " لحماية بورتسودان من الغارات الإسرائيلية وسيكون الفيلم بطولة عبد الرحيم حسين وكاتب السيناريو حسين عبد الرحيم والمخرج أبو ريالة وزير الدفاع ، سعيد شاهين " قال لي يعني سينما اوانطة " قلت له " لا سينما جد جد " .



نادر حله الجل الهميم




نادر حله الرجل الهميم

بقلم : بدرالدين حسن علي

اتصل بي أخي وشقيقي ابراهيم خير ليبلغني بالخبر الفاجع – وفاة والدة نادر ابراهيم فتح الله الملازمة لسرير المرض لعدة سنوات ، وسرعان ما مر بي شريط طويل يمتد لسنوات من الذكريات الحلوة والمرة مع الأقباط السودانيين في كندا ، وخاصة هذا الرجل الهميم المشهور بنادر حله –وللعلم فقط حله لا تعني الحله السودانية وإنما أطلقها أقباط السودان عليه للتفريق بينه وبين نادر آخر واكتسب هذه الصفة لأنه " سمين " جدا ، ولنتذكر قوله تعالى " لا يسمن ولا يغني من جوع " .

كثيرا ما نردد مقولة أبي بكر الصديق " لا خير فينا إن لم نقلها ولا خير فيكم إن لم تسمعوها " وأنا أقول بالفم المليان أن الصفة تنطبق على اسمه ، وربما اسمه ينطبق على الصفة ، فهو رجل نادر في هذا الزمن الكالح ! هل تسمعني يا " شريف " المليك ؟ وهل تسمعني أيضا أنت الآخر الباقر المليك ؟ هل تعرف لماذا سموك الباقر ؟ لأنه من الفعل بقر ، أي توسع في العلم أو المال ، ومعناه أيضا البطل أو الأسد ، فهل تسمح لي أن أستعير اسمك لأعطيه لنادر واقول : الباقر حله ؟







من حسن حظي جمعتني علاقة حميمة جدا مع الأقباط في السودان وخارجه ، فجيراني يمينا ويسارا ومن الخلف " نقادة " وزوجتي الراحلة المقيمة حوريه حسن حاكم جيرانهم يمينا ويسارا ومن الخلف " مسيحيون " ، لذا أنا أعرفهم جيدا ، ومنذ أن جئت كندا إتخذت من نادر حله صديقا ملازما ، والأقباط السودانيون في تورنتو ينادوني " عبد المسيح " ، الراحل المقيم مجدي بولس هو من أطلق الإسم ، مجدي كان سودانيا حتى النخاع ، بسيط جدا ، طيب جدا و Very Hard Worker ولكن سلوكه لم يكن يعجب الأقباط أصحاب الوجاهة ، فكانوا " يكشون " منه ، بينما كنت أحبه كثيرا ، شقيقه الأكبر مراد بولس أقام " عزومة غدا " حضرها عدد كبير من أقباط تورنتو وكنت المسلم الوحيد بينهم ، إلتفت نحوي مراد وقال لي : سمعت أنك إلتحقت بالمسيحية ، قلت له ضاحكا : نادر حله هو الذي حببني في المسيحية وأخوك مجدي سيبعدني عنها ، ضحك مراد حتى وقع من الكرسي ، وكنت أعني بذلك إضفاء جو من المرح على الجلسة وفي نفس الوقت أرسل لهم رسالة بمكانة نادر عندي .

فارقنا مجدي بولس كما فارقنا أعزاء آخرون ما زالوا في رموش العين ميلاد و رودي ونخلة وغيرهم ، شقيقي كمال الزبير وأنا نعيش بينهم ونكن لهم كثير الإحترام وكانوا دائما سندا لي خاصة هذا ال " نادر " الذي زاملته حتى في العمل وأعرف أسرته زوجته نورما وكريمته رولا " وياما أكلت في دارهم العامرة " ، وعندما ناديت في ذات يوم من الأيام بالتوثيق للجالية السودانية في تورنتو إنما كنت أعني أمثال نادر وأفضاله الكثيرة على الجالية وعلى السودانيين في تورنتو ، ولو شئت أن أكتب عن هذا لما كفاني مداد قلمي ، ولكني لن أكتب عن هذا إحتراما لنادر ذات نفسه المشهود له بالطيبة وأعمال الخير وأن ما يعطيه بيده اليمين لا تعرفه يده

الشمال .

طبعا لي مع نادر حله طرائف كثيرة أخشى أن أحكيها لكم فيفسد الود بيني وبينه ، وأكتفي فقط بأني عندما عملت معه من الصباح وحتى " بالليل " لم نكن نعرف غير الضحك والأكل ، ودائما ما تكون دعوات الأكل شهامة ورجولة وكرم ويشهد على ذلك صديقي عبد الله نقد " يجيبو الله بالسلامة " الذي إنضم إلينا لاحقا فعرفنا ب " الثالوث الضاحك " ، وكان مجيء ابراهيم خير ، وعرفت نادر حله بعدد كبير من أعضاء الجالية السودانية مثل الراحل المقيم كمال شيبون والأخت الفاضلة آمال ميرغني والرئيس الحالي للجالية عمار عمر تاج الدين والحارث الحاج وغيرهم .

اللهم أغفر لوالدته ووالده وأدعو له بطول العمر وبالصحة والعافية .



في الذكرى الأولى لرحيله - كمال الشناوي




في الذكرى الأولى لرحيله

كمال الشناوي فنان ومن مواليد السودان

بقلم : بدرالدين حسن على

تمر هذه الأيام الذكرى الأولى لرحيل الفنان الكبير كمال الشناوي والذي يعتبر حالة فريدة من نوعها في تاريخ السينما المصرية بعد أن قضى نحو 60 عاما يتبختر بأنفة وكبرياء في عالم الفن السينمائي ، ولم يكن غريبا أن يطلق عليه " دونجوان السينما "على الرغم من أنه أثرى العالم السينمائي المصري بأفلام كوميدية وإجتماعية وإنسانية وسياسية أيضا .

كمال الشناوي كان نجم سينما الأربعينات بأفلام مثل : ما كانش على البال ، في الهوا سوا ، الحموات الفاتنات ، الأستاذة فاطمة ، رسالة غرام ووداع في الفجر ، كما كان نجم الخمسينات حيث بدأت علامات النضج الفني وظهور أفلامه الرائعة مثل : المرأة المجهولة ، أرحم حبي ، اللص والكلاب ، سكر هانم والبنات والصيف ، وما من شك أنه تسيد حقبة الستينات والسبعينات بأفلامه مثل : الوفاء العظيم ، العاطفة والجسد ، الكرنك ، دمي ودموعي وابتسامتي والمذنبون ، وأذكر جيدا في عقد الستينات كنت دائم العراك مع شقيقي الأكبر " وكنا مجانين سينما " لأنه يكره كمال الشناوي ويقول أن " دمو تقيل " بينما كنت أحبه جدا ولا يفوتني فيلم له ، وهذا الموقف تسبب في خصومة من العيار الثقيل مع شقيقي خاصة وهو هلالابي وأنا مريخابي .

ثم كانت مرحلة الثمانينات وما تلاها من سنين أبدع خلالها كمال الشناوي وقدم مجموعة من الأفلام السينمائية التي ستظل جميعها علامات بارزة في تاريخ السينما المصرية مثل : الوحل ، العجوز والبلطجي ، مهمة في تل أبيب ، الإرهاب والكباب والواد محروس بتاع الوزير إلى جانب أفلام مثل طأطأ وريكا وفيلمه الأخير " ظاظا " ، وإبداع الشناوي لم نينحصر في السينما فقط بل إمتد إلى التلفزيون ولن أنسى ما حييت مسلسله " زينب والعرش " مع سهير رمزي .

ثم كانت المفاجأة الكبرى في بداية السبعينات عندما قدمني له أستاذي حسن الطاهر زروق عندما كان مقيما في مصر " وسأكتب لاحقا عن هذا الموضوع " ، جلسنا ثلاثتنا في مقهى " قديم وتعبان " وعرفت منه أنه من مواليد السودان في 26 ديسمبر 1921 وتحديدا في ملكال عندما كان والده يعمل بالري المصري ، وتلقى بعض مراحله الدراسية بمدرسة البعثة المصرية بملكال ، وله عدد كبير من الأصدقاء ذكر بعض أسمائهم ، ولكن والده عاد لمصر وتحديدا المنصورة وعمل بالتدريس ثم إنتقل إلى القاهرة حيث بدأ رحلته الفنية عام 1947 .

بعد الغزو العراقي للكويت غادرت إلى القاهرة والتحقت للعمل براديو وتلفزيون العرب ART مديرا لرقابة الأفلام بينما كانت زوجتي الراحلة المقيمة حورية حسن حاكم تعمل بنفس القناة الفضاتية مديرا لإدارة البرامج السينمائية وكانت الصديقة المقربة للممثلة صفاء أبو السعود زوجة المليونير الشيخ صالح عبد الله كامل ، وتشاء الصدف أن ألتقي ثانية بالفنان كمال الشناوي ، فأصبحنا أصدقاء حميمين رغم فارق السن ، وأرسل لي شقيقه عبد القادر الشناوي الذي كان بمثابة سكرتيره ومدير أعماله ، وبعد عدة لقاءات معه أثمرت عن شراء مجموعة كبيرة من أفلام الشناوي التي كانت ملكه لصالح شركة " سانيلاند إحدى شركات الشيخ صالح " مما أعاد له توازنه المالي وظل يلهج بالثناء على موافقي .

كمال الشناوي رحلة عطاء حافلة بالإنجاز الفني ، توفى عن 89 سنة بعد صراع طويل مع المرض لكنه ترك تراثا فنيا عظيما يفوق ال 200 فيلم سينمائي وعدد كبير من المسلسلات التلفزيونية والإذاعية ، وبوفاة كمال الشناوي في أغسطس الماضي أسدل الستار على حياة نجم عظيم إحتفظ بتألقه وحضوره الفني لمدة تصل إلى 62 عاما دون أن يفقد شيئا من بريقه الفني في مختلف الشخصيات التي أداها مع مراحل عمره المليئة بالكفاح وبالرقة والإنسانية والخلق الرفيع ، كما أسدل الستار على السينما المصرية بوفاة أعلام مثل يوسف شاهين وهند رستم وعمر الحريري وغيرهم .

رحمك الله يا كمال فقد كنت ممثلا رائعا وإنسانا جميلا .

حسن الطاهر زروق

حديث الذكريات المر


حسن الطاهر زروق القوة الشدة والصدق

بقلم : بدرالدين حسن علي

هذا الموضوع كتبته ثلاث مرات ومزقته ثلاث مرات ، لأني وفي كل مرة أكتبه أحس كأنما أكتب عن والدي – رحمة الله عليه – فقد قابلت الراحل المقيم حسن الطاهر زروق في فترة هامة جدا في حياتي ، بل وشكلت منعطفا حادا ما تزال آثاره باقية ،إنه يعني لي وببساطة القوة الشدة والصدق ، وأكون صريحا معكم هذا الرجل قابلته وكنت فعلا أحتاج لرجل مثله وكثيرا ما يتراءى لي في منامي ، وعندما تكرر هذا أدركت كم أحبه ، لذا الكتابة عنه صعبة ولكن لا بد من ذلك ، أنا أكتب عنه كإنسان وفنان تعرفت عليه ذات يوم من عام 1976 في بغداد ، كان عمره في ذاك الوقت 60 عاما ، كان موفور الصحة والعقل السديد ، كنت أصغره بسنوات كثيرة ، ورغم هذا الفارق في السن إلا أنه كان صديقي الصدوق ، وكنت ألجأ إليه في كل شؤوني الخاصة والعامة ، خاصة وأن والدي حكى لي عنه كثيرا ، وعندما إلتقيته كنت سعيدا جدا ، فها أنذا ألتقي برجل في قامة والدي تماما ، ولكنه كان يصر على أن يقول أنه لا يهتم بالعمر لذا من الأفضل أن نكون أصدقاء وقبلت العرض ،وبدأت علاقتي به بأن أهداني كتابه " حرية الفن " الذي قرأته عدة مرات وكان مصدري الوحيد لكتابي الأول " المسرح والديمقراطية " وكتابه القيم " السودان إلى أين ؟ " .

هناك قصتان طريفتان لا زلت أذكرهما عن حسن الطاهر زروق ، الأولى تعود إلى الستينات من القرن الماضي ، كانت لي علاقة حميمة بحسن عبد الوهاب وكنا نعمل معا في " الحوش " – الإذاعة والتلفزيون والمسرح-وكان حسن كادرا قياديا في تنظيم الأخوان المسلمين ، وكنا نجلس معا في كثير من الأحيان لتناول الفطور ، حسن كان ذكيا جدا ولماحا وصاحب نكته هو والإذاعي النبيه إسماعيل طه ، المهم أذكر في يوم من الأيام كنا نتحدث عن المسألة السودانية والديمقراطية والإنتخابات وهلم جرا ، كان حسن يحكي عن تجاربه في الحياة ، وأذكر أنه حكى لي عن حسن الطاهر زروق بعد فوزه في دوائر الخريجين بعدد قليل من الأصوات بعد ثورة أكتوبر 1964 ، وفي يوم إفتتاح البرلمان قابل زروق أحد شيوخ القبائل الذين فازوا في الإنتخابات وهو يبحث عن كرسي ليجلس عليه ، فسأله زروق عن عدد الأصوات التي حصل عليها فقال له الشيخ : والله ماني عارف كان ميه كان ميتين ألف ، فقال له زروق : ياخي إنت حقو يدوك كنبة مش كرسي ّ

أما الطرفة الثانية تعود إلى الثمانينات من القرن الماضي ، وكنت جالسا جنب صديقي جعفر عباس شقيق صديقي الآخر محجوب عباس في منزل " ناس العالم " العامر بالجلسات الثقافية بحي البوسته بأم درمان ، وكنت يومها عائدا إلى السودان بعد غربة إمتدت لسنين وإنتهت في العراق والكويت ، إلتفت نحوي جعفر وسألني عن حسن الطاهر زروق ؟ فقلت له بخير ، قال لي : ياخي أنا عمري ما شفت بني آدم يحب أم كلثوم زي الراجل ده ، تصور مرة قال لو الثورة السودانية نجحت وأم كلثوم بتغني عنها ما نجحت !

عندما قابلت حسن الطاهر زروق كان يومها لاجئا سياسيا وهو ما لن أتحدث عنه في هذه المقالة تاركا ذلك لآخرين وأرجو أن يفعلوا ، لأن علاقتي به كانت علاقة أدبية ثقافية فنية ، وحقيقة - وأعترف بهذا - على كبر سني كان أستاذي وعلمني الكثير جدا ، وأعترف أكثر بأني قضيت معه الساعات الطوال نتحدث عن الأدب والفن وعن كوكب الشرق أم كلثوم التي كان يحبها كثيرا وله كتاب عنها وعن أغانيها والشعراء الذين غنت لهم ، ولكن ابن أخته فيصل - ونسيت اسم والده –لم يستوعب كريزماه ، فحسن الطاهر زروق من كبار أبناء بربر" مواليد 1916" ومن كبار معلمي السودان في الوسطى والثانوية و برلماني وسياسي قوي وعنيد ، ولكن الأهم من كل ذلك كان قصاصا ماهرا ومبدعا وأنا أسميه بفخر شديد رائد القصة الواقعية في السودان ، وعندما أهداني مجموعة من قصصه إندهشت لقدرته الفائقة في طرحه الواقعي لقضايا بلده ،وأعظم هدية تلقيتها في حياتي تلك التي جاءتني من حسن الطاهر زروق عندما أهداني قصة " حي بن يقظان " لإبن طفيل مع مجموعة كبيرة من الكتب الأدبية والثقافية شحنتها جميعا وأرسلتها لشقيقي عبد اللطيف لأني قررت يومها العودة للسودان ، وأقول لكم بصراحة هو الذي علمني حب الموسيقى وكان قارئا نهما واسع الإطلاع والمعرفة وكاتبا متميزا وله كتابات في العديد من الصحف والمجلات السودانية والمصرية أدبا وثقافة وسياسة ، وبإختصار شديد هو واحد من السودانيين الذين أثروا الساحة الثقافية السودانية ، ولو كنت نادما على شيء في حياتي فأنا نادم على عدم التوثيق له بعد أن إلتقيته وتحدثت معه ، فضيعت تلك الفرصة الثمينة التي هيأها لي الله وجمعتني برجل مثل حسن الطاهر زروق

ثم حدث أن إنضم إلينا الشاعر المرهف الرقيق الراحل المقيم عثمان خالد فانطلقنا ثلاثتنا نملأ الأرض جنونا بحلو الكلام ورقة الوصف والخيال خاصة هذا الذي اسمه عثمان خالد والذي لن أنساه كل حياتي ، فحولنا بغداد المدينة المستكينة إلى جنة وارفة ومشاغلة " بنات العراق " الحلوات أيضا ببراءة شديدة يضحك لها عثمان خالد حتى يقع أرضا ، وعاد- عمنا حسن – وآسف للتعبير يلهو ويلهو ولا شيء غير اللهو البريء ، ولكنه أعطانا من غزارة علمه الكثير ، وأهم شيء أهداه لي هو أنه قدمني لعدد كبير من الكتاب والمخرجين والممثلين المصريين أمثال صديقه الحميم الممثل النابغة علي الشريف ويوسف شاهين وكمال الشناوي وسياسيين كثيرين .

وكان حسن الطاهر زروق حزينا جدا عندما أعلمته في ذات يوم بقرار سفري إلى الكويت بعد أن ضاق بي الحال في بغداد المدينة التي أحببتها كثيرا ، فسلمني رسالة لصديق عمره القائد النقابي الراحل المقيم ناصر الفرج وكان وقتها رئيس إتحاد عمال الكويت وسلمتها بدوري لمدير مكتبه عمر محمد خير المقيم بيننا هنا في تورنتووزوج سليمة السباعي .

فارقته وكلي إنشغال بأسرتي التي كنت دائم الإتصال بهم لدرجة أنهم طلبوا عدم عودتي للسودان ، وأذكر جيدا أنني في عام 1980 كنت قد إتخذت قرارا بالعودة إلى بغداد فقط لملاقاة حسن الطاهر زروق ولكنه سبقني بالرحيل في نفس العام ، فغيرت قراري وعدت للسودان ، وكانت أسرتي وخالي الفكي عبد الرحمن سعيدا بتلك العودة وذهب خصيصا لمقابلة خالد المبارك ليبحث معه إمكانية عودتي للعمل وكان ذلك في مقدوره ولكنه إعتذر ، وتلك قصة أخرى سأحكيها عن الثالوث الخطير : محمد إبراهيم الشوش ، خالد المبارك ومحمد محمد خير .



وكأنما عقابا لي على رحيلي مات حسن الطاهر زروق " 1980 " في بغداد بعد وصولي إلى الكويت ودفن في السودان بمقابر أحمد شرفي الشهيرة بأم درمان ، كما مات عثمان خالد فيما بعد بمستشفى الهرم بالقاهرة بموقف لن أنساه من الأمين العام لإتحاد المحامين العرب السابق فاروق أبو عيسى ، وكنت قد جئت القاهرة بعد الغزو العراقي للكويت .

لهما الرحمة وعاطر الذكرى .