السبت، 9 فبراير 2008

سامي سالم

رسالة إلى الله
بمناسبة رحيل الفنان الكاتب الناقد الفذ سامي سالم
لم أصدق الخبر الذي تلقيته من صديقي ، ظننته للوهلة الأولى أنه من نوع " الهظار بالعيار الثقيل " ، والسبب يرجع إلى أن صديقي يعرف علاقتي بسامي سالم ، ويعرف أيضا علاقتي بزوجته أحلام اسماعيل حسن ، ويعرف أكثر من ذلك علاقتي بولديه محمد وعمر ، عندما رن الهاتف قال لي وهو يكاد يبكي " بدرالدين ، سامي سالم مات ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
بالطبع شتمته ولعنت سنسفيل ...... ولكنه سرعان ما رد قائلا " يا بدرالدين أنا ما بهظر ، سامي سامي وشرع في البكاء!!!!!!!!!!!!!!
صديقي هذا لم أره في كل حياتي وهو يبكي ، فهو لا يعرف غير الضحك والنكت و" الهظار " ، وعندما بكى أدركت أن في الأمر شيئا ، فسعيت لتهدئته لكي أفهم " بالظبط " ماذا يريد أن يقول ؟؟؟؟؟
كنت يومها ولأول مرة في حياتي وفي علاقتي بسامي سالم أن لا أكلمه لأكثر من عام كامل بسبب إنشغالات تافهة ، وأيضا لم أكلم أحلام لأكثر من عام ، فشقني الخبر إلى نصفين ، فقد تيقنت أن صديقي لا يكذب ، ولا شعوريا أقفلت خط الهاتف وأجهشت في البكاء .
لا أدري كم من الوقت مضى وأنا على تلك الحالة ولكن عندما إنتبهت ورفعت " سماعة التلفون " لكي أجري إتصالا هاتفيا وجدت أن عندي خمس رسائل ، راجعتها فكانت جميعها رسائل تعزية ، فازددت بكاء وشعرت كأنما سامي ينتقم مني ويحتقرني .
ولكني إستغفرت الله وسعيت لإستعادة رباطة جأشي والتصرف بنوع من الحكمة والصبر . إتصلت بأحلام كي أعزيها وأسأل عن تفاصيل الخبر الحزين وإذا بي أجدها أحلام الحالمة الصافية ذات القلب الكبير ، ففي كل مرة أسألها كانت تبادر هي لتسألني عن مهيرة وعني وو ،وبعد المحادثة خلدت للنوم وإستغرقت في سلسلة أحلام عن الموت !!!!!!!!!!!!!
أذكر أولها كان فيلما سينمائيا مصريا شاهدته في التسعينات من القرن الماضي على الرغم من أنه من إنتاج الستينات ، بطولة عمنا الكبير حسين رياض ومريم فخرالدين وأحمد خميس و الخالة أمينة رزق وكان بعنوان " رسالة إلى الله " وقصته تدور حول الطفلة عائشة التي تصعد إلى مئذنة الجامع لتطلب من الله أن يجعل عروستها تتكلم ، فتقع عروستها ، تحاول أن تستردها لكنها تسقط هي الأخرى وعلى إثرها تفقد الذاكرة ، فيعاني الأطباء في علاجها ، وينهار والدها حسين الذي يعمل كمساريا في السكة حديد ، تمر السنوات ويتأخر زواجها بسبب مرضها ، يصبح جارها ميدو صحفيا يتزوج منها وتنجب طفلة ويتم إستبدالها بالعروسة التي كانت دائما تحملها وبهذا تشفى من مرضها .
لا أدري لماذا ذلك الفيلم ؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟وأحلام أخرى حاصرتني حتى الصباح ، لكن من الواضح أنني كنت فريسة كوابيس " من العيار الثقيل " وعندما صحوت مبكرا مخلوعا قررت أن أكتب رسالة إلى الله عن هذا الطفل الذي رحل قبل أن يكمل رسالته أو بمعنى أصح عن سامي سالم الفنان والكاتب الصحفي والناقد الفذ الذي ترك ما لم يتركه كبار الكتاب والنقاد العرب ولا أبالغ فيما أقول ، فقط أطلب منكم الإنتظار حين يأتي وقت نشر ما كتبه من إبداع فوق العادة .
سامي سالم هو صديق أسرتنا في الثورة الحارة 13 ، وكان يزورنا كثيرا وتوطدت علاقته بشقيقي الأصغر صلاح الدين الذي رحل هو أيضا في ريعان شبابه ، ولكني زاملت سامي منذ الستينات وحتى رحيله ، مشوار طويل من الأحداث والقصص والحكاوي والقضايا الشائكة المعقدة وأجمل الأيام وأروعها التي لن تعود .
كان سامي يصول ويجول في كل حدائق الأدب والفن الرفيع بكلمات رشيقة رقيقة هي تلك التي إعتدنا عليها زمان عرفات محمد عبدالله و التجاني يوسف بشيروالأساتذة علي المك وصلاح احمد إبراهيم وخالد الكد وقائمة تطول من الأدباء والمبدعين .
نحن نعرف الآن أن تاريخ أدباء السودان والفنانين والمبدعين لا يختلف جوهريا عن تاريخ أي مثقف في أي بلد عربي ، وخاصة في ظل الأنظمة القمعية القابضة بالقوة على السلطة ، حتى أصبح تاريخ مثقفينا مشوار طويل من المحن المستمرة كما يقول الكاتب صلاح عيسى ، ولعله إستكمالا للمحن التي أصابت إبن السكيت الذي قطعوا لسانه من قفاه ، وعبدالله بن المقفع الذي تم التمثيل بجثته ، وصالح بن القدوس الذي أتهم بالزندقة فضربت عنقه ، وعاش إبن تيميه مطاردا ، وإبن حنبل مات في سجنه ، وسعيد بن جبير الذي قتل ، وسليمان الأشدق الذي سقي السم حتى مات .
تماما مثلما حدث ويحدث في بلادي ، فمحمود محمد طه عبقري زمانه مات مشنوقا ولم تغفر له سنواته السبعون ، والمجرمون ما زالوا يعيشون بيننا وبعضهم يحكمون ، والمطرب صاحب الصوت الدافيء الحنون خوجلي عثمان إغتالته سكين الهوس الديني والقاتل يسخر ويضحك ملء شدقيه ، وطه محمد احمد طه الصحفي الشجاع الذي مهما إختلفت معه لا بد أن تحترمه يذبح ذبح الخراف والقتلة ما زالوا أحياء ، ومن لم يمت بالرصاص أو السكين مات موتا بطيئا مثلما حدث مع عثمان خالد ومحمد رضا حسين وحورية حاكم وعمر الدوش وعلي عبدالقيوم ومحمد عمر بشير وليلى المغربي واحمد قباني واحمد عاطف وصلاح أحمد إبراهيم وجيلي عبدالرحمن وأحمد الجابري ، ومن لم يمت موتا بطيئا دهسته سيارة مجنونة مثلما حدث لخالد الكد في شوارع لندن .
وهاهو سامي سالم يعود بعد سنوات الغربة محمولا في نعش ليدفن في مقابر البكري وهو الذي أحيت كتاباته الموتى من القبور . نعم كان سامي سالم في القاهرة شعلة من الحركة والوثوب إلى أمام رغم كل العواصف والضغوط النفسية والإجتماعية والسياسية وعندما أصابه اليأس قبل نظام التوطين فسافر إلى أقصى الغرب الكندي وتجول ما بين ريجاينا وكالكاري وتورنتو ثم إدمنتون حيث توقف نبض قلبه العامر .
ماذا أقول سوى الدعوة إلى الله ليسكنه فسيح جناته والدعوة لأحلام إسماعيل حسن للتماسك وأشد على يدها بقوة .

ليست هناك تعليقات: