سينما الأمس .......سينما اليوم
يكتبها بدرالدين حسن علي
( الإمبراطور ) والفن عندما يكون مرآة لمشاكل المجتمع النجم أحمد زكي عفوية وصدق وقوة تقمص الشخصية
أفلام المخدرات سلاح ذو حدين ، فهي دون شك تعكس دور الفن بأنه مرآة حقيقية للمشاكل التي يتعرض لها المجتمع ، وأن لا بد للسينما أن تواجه هذا الخطر الكبير الذي يهدد شبابنا .. شريان الحياة لمستقيلنا ، وأن تكشف عن المخاطر والنتائج المرعبة التي يمكن أن يسببها إنتشار المخدرات بين هذه الزهور الصغيرة التي لا زالت تتفتح للحياة ، ولكن هذه الأفلام في الوقت نفسه إذا لم يحسن تقديمها وكتابتها تكون نموذجا خطرا يشدجع الشباب على التردي في طريق الهاوية عوضا عن أن يبعده عنها ، والأمثلة كثيرة مع الأسف عن هذه النماذج السيئة من أفلام المخدرات التي تركت أثرا سلبيا وهددت الأخلاق العامة عوضا عن أن تحميها .
" الإمبراطور " من الأفلام التي تمثل سينما التسعينات حيث أنتج عام 1990 من تأليف فايز غالي وفكرته مستوحاة من فيلم " الوجه ذو الندبة " ومن إخراج طارق العريان والبطولة للنجم أحمد زكي ورغدة ومحمود حميدة وأبو بكر عزت .
وقصة الفيلم تدور حول زينهم وإبراهيم حيث يعملان بعد الإفراج عنهما مع تاجر المخدرات سليم ، ثم يستقل عنه زينهم ويعاونه إبراهيم ، ويتوسع في أعماله غير المشروعة ، فيخطط سليم للتخلص منه ، فيقتله زينهم ، ويتزوج من عشيقة سليم الراقصة حياة ، والتي تضيق بتكالبه على المال وجرئمه المتكررة فتستسلم للهيروين ، ويحقق معه مكتب المدعي الإشتراكي لمصدر ثروته المريب ، ولكن محسبيه ومحاميه يثبتون براءته ، فيستسلم هو أيضا للهيروين بعد أن تتخلص حياة من الجنين الذي يتوق إليه ، ويقتل زينهم إبراهيم بعد أن يظن أنه يخونه مع حياة ثم يلقى مصرعه على أيدي أحد منافسيه .
أول فيلم لطارق العريان
" الإمبراطور " هو الفيلم الأول للمخرج طارق العريان ، ويحاول فيه أن يكشف ما وراء الستار في حياة تاجر مخدرات كبير ، وكيف إنزلق إلى هذا العالم ، وكيف فقد إنسانيته ، وانحرف وغاص في بحر الجريمة .... ثم كيف مات معنويا قبل أن يموت ماديا على يد رجال الشرطة .
والفيلم كما قلنا مقتبس من الفيلم الأمريكي الشهير " الوجه ذو الندبة " لبريان دي بالي مع تغييرات طفيفة تلائم المجتمع المصري وشروطه ، ولكن الرائحة الأمريكية لا زالت تفوح منه حتى في أسلوب الإخراج الذي إتبعه طارق العريان ، وحذا به حذو المخرج الأمريكي خصوصا في مشهد النهاية الذي تقتحم فيه الشرطة منزل زعيم المخدرات وتتساقط الضحايا كالعصافير والذي يصعب حقا تصور وقوعه في مجتمع عربي اللهم إلا إذا كان الهدف هو التشويق والإثارة .
ولكن رغم كل هذه التحفظات يبقى فيلم " الإمبراطور " فيلما مصنوعا بعناية ومن خلال إنتاج باذخ ومبهر ، وهو فعلا مليء بالتشويق والحركة ، ويعكس حقا روح الشباب الكامنة لدى المخرج في ذلك الوقت والتي كانت تؤكد عطاءات سينمائية مستقبلية لذات المخرج .
أحمد زكي وبلوغ القمة
في فيلم " الإمبراطور" يقدم أحمد زكي دورا شديد الصعوبة ينجح الممثل الكبير في تجاوزه بسهولة ، ويثبت من خلاله أنه واحد من أهم ممثلي عصره ، وهذا ما أكدته نجوميته المتصاعدة والتي بلغت القمة قبل رحيله النبيل بسبب مرض السرطان الذي داهمه وخطفه الموت قبل أن يكمل رسالته كممثل نابغ وفنان قل أن يجود الدهر بممثله ، ومن منا ينسى أدواره في " زوجة رجل مهم " و " إمرأة واحدة لا تكفي " و " سواق الهانم " و ناصر 56 " و" إستاكوزا " و " البريء " و حليم " الفيلم الذي لم يكمل أداء دوره فيه ... وغيرها من الأفلام الناجحة .
إنه ممثل يتميز بعفويته وصدقه وقوة تقمصه للشخصية التي يمثلها ، وأنه حاضر ياستمرار في هذا الفيلم الذي يضيئه ويشد من أزره ، ويقنعنا أحيانا من خلال أدائه بما عجز السيناريو والإخراج عن إقناعنا به ، فقد إستطاع أحمد زكي أن يدخل من خلال " مصريته " الصميمة إلى قلب كل مصري وبالتالى إلى قلوب كل العرب وعلى مستوى عالمي بدفء إحساسه وبتكنيكه التمثيلي المتقدم ، بحيث ينافس ممثلي العالم الكبار في أمريكا وأوروبا ، وقطعا يتقدم الصفوف الأمامية .
ومحمود حميدة في دور الصديق يقوم بأول دور هام له على الشاشة ، دور فتح له بعد ذلك أبواب الشاشة المصرية على مصراعيها ليصبح بدوره هو أيضا واحدا من عدة نجوم قليلة تعتمد عليها هذه السينما في إنتاجها الكبير ، فهو في هذا الفيلم يقدم دورا مركبا شديد التعقيد ، ولكنه ينجح في أدائه وينجح أيضا في الوقوف أمام أحمد زكي ، وهو رهان صعب كسب فيه محمود حميدة بجدارة .
أما الممثلة السورية الأصل " رغدة " فهي تتجاوز أيضا وصف المرأة الجميلة الذي ألصق بها في بداية صعودها لتقدم أداء تمثيليا مقنعا لزوجة زعيم مخدرات التي تدمن المخدرات وتسقط فريسة لها ، وتتسبب دون قصد في جريمة قتل الصديق ، لقد أدت رغدة دورها بإقناع ، وأثبتت أنها تستطيع أن تكون ممثلة ناجحة بقدر ما هي جميلة وحسناء .
يبقى بعد القول أن فيلم " الإمبراطور " أول أفلام طارق العريان ، ورغم وضوح إقتباسه قد حقق نجاحا تجاريا ملحوظا ، واستمر عرضه لأسابيع طويلة بفضل جرأة موضوعه وقوة أبطاله ، مما يؤكد نجاح طارق العريان وتأكيد نفسه على خارطة السينما المصرية منذ فيلمه الأول وهو أمر صعب يستحق عليه التهنئة .
|
|
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق