رحيل أبو المسرح السوداني الحديث الفكي عبد الرحمن فناناّ ومعلماّ وإنساناّ غيب الموت قبل عدة أسابيع فناناّ سودانيا أصيلاّ يندر أن يجود الزمان بأمثاله ذلكم هو الفنان والمعلم والمربي الإنسان الفكي عبد الرحمن والذي إستحق أن يقال عنه بكل فخر وإفتخار أبو المسرح السوداني الحديث ، كان الفكي فناناّ موهوباّ رضع وشرب المسرح من جميع مصادره وتسلح في وقت مبكر جدا بأصول المسرح عندما كان ترفاّ لدى البعض ، وكان دائما يذكرني بالمقولة الشهيرة " أرني المسرح في أي بلد أقل لك نوع النظام الذي يحكمه " ، بل كان على إيمان عميق برسالة المسرح السياسية والإجتماعية والتربوية والفنية ومن هنا فقد كانت كل سنوات عمره تضحيات متواصلة من أجل مسرح سوداني أصيل واختار معركته الأولى في المسرح القومي بأمدرمان ذلك البناء الكبير الذي بنته حكومة الفريق إبراهيم عبود والمطل على نهر النيل الخالد وواجهة لمركزين إعلاميين كبيرين هما الإذاعة والتلفزيون وفيما بعد الإنتاج السينمائي والفنون الشعبية وفرقة الأكروبات السودانية ، وحملت جميع هذه المراكز بصماته الواضحة إما تأسيساّ أو تغييراّ في النهج والأسلوب وتطويرا في الشكل والمحتوى فكانت دروسه العظيمة تلك دافعاّ للمئات من الفنانين السودانيين من الشباب والشيوخ للتوجه نحو المسرح أو تلك المراكز لتقديم إبداعاتهم وفنونهم . أطلق الفكي عبدالرحمن كما قلنا الشرارة الأولى في المسرح القومي بأم درمان عام 1967 ، كان المسرح القومي يومها وكراّ للبوم والخفافيش ومرتعاّ خصباّ للنفايات والأوساخ ، فشمر عن ساعده وحمل أول " كوريك " لإعادة بناء المسرح وتجهيزه كي يكون صالحاّ للعروض المسرحية رغم مساحته الكبيرة ووقف إلى جواره شباب ورجال آمنوا بالرسالة وقدموا الكثير من التضحيات يضيق المجال هنا لذكر أسمائهم وبعد فترة وجيزة أعلن بدأ المواسم المسرحية في المسرح القومي والتي أصبحت تقليداّ سائداّ إلى يومنا هذا رغم ما إ عترضت مسيرة المسرح من عقبات وتداخلات بسبب الأنظمة السياسية التي حكمت السودان بعد الإستقلال . يومها كان الفكي عائدا إلى السودان من إنكلترا بعد أن أنهى دراسته المسرحية فيها متابطا شكسبير وأرسطو وراسين ومولير وكوردن كريج واستانسلافسكي وهنريك إبسن وتشيخوف وبرتولد بريخت وفيشر وأونيل وآرثر ميللر والبير كامو وتينيسي وليامز وجان جينيه ولوركا وكاسونا وبسكادور وبيرانديللو وبيتر فايس وجنوا أشيبي وولي شوينكا وتوفيق الحكيم وصلاح عبد الصبور ومحمود دياب واسطسحب معه في السودان إبراهيم العبادي وخالد أبو الروس والطاهر شبيكة والفاضل سعيد وحمدنالله عبدالقادر وغيرهم . وجاء بفنانين من الجامعات والمعاهد العليا وحتى من الثانويات ليشاركوا في تلك القافلة الفنية الرائعة – مكي سنادة ، أبو قبورة ، اسماعيل خورشيد ، أبودليبة ، عثمان قمر الأنبياء ، جعفر النصيري ، خالد المبارك ، علي عبد القيوم ، عمر براق ، محمد رضا ، أبو العباس محمد طاهر ، صلاح تركاب ، يوسف عايدابي ، هاشم صديق ، فتح الرحمن عبد العزيز ، محجوب عباس ، يوسف خليل ، صلاح قولة ، السر قدور ، إبراهيم حجازي ، محمد عثمان المصري ، عوض محمد عوض ، إسماعيل طه ، عوض صديق ، أبراهيم شداد ، علي مهدي ، تحية زروق ، فتحية محمداحمد ، حسن عبدالمجيد ، محمد شريف ، هاشم محجوب ، يحيى الحاج ، الريح عبدالقادر عبد المطلب الفحل ، عمر الحميدي ، عمر الخضر وذلك الجيل من الشباب واعتذر لمن فاتني ذكره فجميعهم في رموش العين لمساهماتهم العظيمة في تطوير المسرح السوداني مع قائده الفذ الفكي عبد الرحمن ، ولا يمكن لأي واحد من هؤلاء أن ينكر الفضل الذي قدمه له الفكي عبد الرحمن ، ويكفي أن مكتبته العامرة كانت مفتوحة لهم جميعاّ بل أن نصفها موجود لديهم حتى اليوم ولم يسأل مطلقاّ بإعادة كتاب إليه ، كان فقط يقول للمستعير " أقرأ ودع غيرك يقرأ " تعدت إنجازات الفكي عبدالرحمن المسرح القومي لينشيء مسارح الأقاليم لتصبح رافدا هاما في مسيرة المسرح السوداني وأفكاره النيرة التي أوجدت معهد الموسيقى والمسرح وفرقة الفنون الشعبية وفرقة الأكروبات السودانية والفرق المسرحية الكثيرة التي نشأت تباعاّ وقدمت إنتاجاّ مسرحياّ يتسم بالجدية والتنوع والإبداع . الفكي عبدالرحمن من بعد هذا وذاك صاحب برنامج الأطفال بالإذاعة السودانية لسنين طويلة حفر اسمه في ذاكرة أطفال السودان رجال اليوم ومستقبل السودان ، كنت من أقرب المقربين للفكي عبد الرحمن فهو " الخال " وهو الأستاذ وكان الصديق أيضاّ فقد كان على درجة عالية من الفهم والثقافة والتجارب ويعرف كيف يعامل جميع الناس ولذا أحبه كل الناس وفي يوم رحيله عم الحزن ليس السودان فحسب بل كل المدن والعواصم العربية نعته بحزن عميق لمآثره الكثيرة ، وأصدقكم القول أني مازلت حزينا لفراقه قبل أن ألتقيه بعد غربة طالت وطوت معها صفحات من أروع الصفحات التي عشناها مع أمثال الفكي عبد الرحمن والذي يستحق أن يخلد اسمه في ذاكرة الشعب السوداني مثله مثل أولائك العباقرة الذين بنوا سودان الأمس وسودان اليوم وسودان الغد، ولي عودة . |
السبت، 9 فبراير 2008
الفكي عبدالرحمن ... رائد المسرح السوداني الحديث
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق