الشعر والثورة "2"
بقلم : بدرالدين حسن علي
بتساءل السيد ياسين : هل هناك علاقة بين الشعر والثورة؟
تبدو أهمية السؤال لأن طابع الشعر الأساسي هو التدفق الابداعي الرقيق، الذي يعبر عن حالات متعددة كالبوح الوجداني أو التأمل الفلسفي أو التصوير السيكولجي لحالات شعورية متعددة ، وهذا يمكن ملاحظته في جميع أشعار الشعراء الكبار في، حين أن الثورة هي أساسا فعل انساني عنيف، وقد يتخذ العنف أشكالا دموية صارخة للخلاص من رموز النظام القديم، كما يسجل التاريخ بالنسبة لثورات شهيرة كالثورة الفرنسية والثورة البلشفية.
غير أن أهم فارق بين الشعر والثورة أن الشعر فعل فردي في حين أن الثورة لابد أن تكون نتاج فعل جماعي، وهذا الفعل الجماعي قد تقوم به طليعة ثورية قليلة العدد ومع ذلك تنجح في حشد الجماهير وراءها، في حين ان الشعر فعل فردي أساسا ، والفعل الجماعي تصعب احيانا السيطرة عليه نتيجة جموح السلوك الجمعي للجماهير، في حين أن الفعل الفردي تسهل السيطرة عليه، مهما كانت الحالة النفسية للشاعر حتي لو انتابته صورة من الغضب العنيف، أو السخط الشديد علي الأوضاع الاجتماعية أو الثقافية السائدة، وبغض النظر عن حالة السوء أو الانحراف النفسي للشاعر.
غير ان الشعر مع ذلك بطابعه الفردي قد يقترب من الثورة لو كانت سلمية ولم تلجأ اصلا للعنف.
والنموذج البارز لهذا التلاقي النادر بين الرقة والقوة نجده في ثورة 21 أكتوبر 1964 التي أطاحت بنظام الفريق إبراهيم وكررها الشعب السوداني مرة أخري في إنتفاطة مارس /أبريل 1985 ، ويعني ذلك أن السودانيين فعلوها قبل نحو أربعين عاما .
الثورتان اللتان حدثتا في السودان لم تجدا الإهتمام والشعر الذي صاحب الثورتين لم يجد العناية ، وهذا ظلم كبير للثورتين وللشعر الذي تفجر معهما ، أن الثورة احتجاج جذري ضد الأوضاع المتردية في البلاد ولكن بدون استخدام العنف ، و علي العكس فقد إستخدم نظام عبود ونميري العنف الإجرامي ضد الثوار باطلاق الرصاص الحي عليهم، مما أوقع الكثير من الشهداء الأبرار والجرحي، ودائما ما تتصرف الأجهزة الأمنية بشكل همجي ضد جموع الشعب الثائرة ، وخاصة الشعراء والمبدعين ، لكن لا الشعر يموت ولا الشعراء .
وأهم من ذلك كله كما يقول السيد ياسين ويقوله كثيرون : أن الشعار الأساسي للثورة ـ كما كان الحال بالنسبة للثورة التونسية ـ تمثل في أشهر بيت شعري استخدمته الجماهير الغاضبة والثائرة في التاريخ العربي المعاصر، وهو افتتاحية القصيدة الشهيرة للشاعر التونسي أبوالقاسم الشابي وعنوانها "إرادة الحياة".
"إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر"!
يقول السيد ياسين " أردت من هذه المقدمة الوجيزة عن العلاقة بين الشعر والثورة، أن أمهد للحديث عن علاقتي بالأدب عموما وبالشعر خصوصا، أنا انتمي الي جيل الأربعينيات، حيث تكون وعي جيلي عبر القراءة المنهجية للفكر السياسي من ناحية، وللروائع الأدبية من ناحية أخري.
انجذبنا علي وجه الخصوص الي الأدب الروسي وخصوصا الأعمال الروائية الفذة لدوستويفسكي والقصص القصيرة الفائقة الجمال لتشيكوف، بالاضافة الي عشرات المبدعين والنقاد والروس، واهتممنا أيضا بقراءة الأدب الفرنسي المترجم في روائعه الشهيرة وخصوصا ابداعات بلزاك ومارسيل بروست، وعرجنا أحيانا علي الأدب الروائي الأمريكي، وقرأنا بعمق مارك توين وتأثرنا بالشعراء الطليعيين المجددين.
وتذوقنا روائع الشعر الإنجليزي ابتداء من شكسبير وشيللي واليزابث برواننج وروبرت برواننج الي شاعر الانجليزية الأشهر اليوت.
ويضيف قائلا " غير انني في قراءاتي الواسعة في الشعر العربي المعاصر فتنت علي وجه الخصوص بالشاعر التونسي أبي القاسم الشابي، الذي قرأته وحفظت كل قصائده تقريبا وأنا في مطلع الشباب.
بعد أن حصلت علي نسخة من ديوانه الكامل "إرادة الحياة" والذي نشر فيه قصيدته الشهيرة والتي أصبح البيت الأول فيها ـ كما ذكرنا ـ الشعار المعتمد للثورات العربية "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر"، و"لابد لليل أن ينجلي ولابد للقيد أن ينكسر"، ومن يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدهر بين الحفر" الي آخر هذه القصيدة الفاتنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق