ليتني كنت شاعرا : مشاغلة لشعرائنا الأفاضل
بقلم : بدرالدين حسن علي
بين ظهرانينا شعراء أمثال : حيدر أبو القاسم ، حسين شنقراي ، عادل عوض الله ، ابراهيم سليمان " أبو ناجي" ، عبد المنعم سيد احمد ، عبد العظيم ابراهيم " جوجوي " والحارث الحاج ، ومجموع الشعراء : محمد الكاشف ، ياسر نجم و بقية العقد الفريد ، ومؤخرا بدأت علامات الشعر الحلمنتيشي في شاعر " السينيرس " محمد عبد الوهاب " أبو البنات " كأنما نحن في مجادعة بين هذا الشعر وذاك ، البعض يتضايق ويسخر من الشعر الحلمنتيشي ويصفه بأنه شعر هابط وسهل ، أنا شخصيا بدأت شاعرا حلمنتيشيا وأصدقائي زجروني ومنعوني وطلبوا مني التفرغ للمسرح والسينما ، لم أكابر واستمعت لنصيحتهم ، وفي الأسبوع الماضي هاتفت ابن خالي عبد الله عثمان بابكر المقيم في السودان وتطرق الحديث عن الشعر الحلمنتيشي ، فقال لي ما زلت أتذكر قصيدتك التي تقول في مقدمتها :
كسرت ا لقلم
كسرت المحبرة
شرائحها ملأت غرفتي
ماذا أكتب ؟
وكيف أكتب ؟
سأكتب بالشرائح الزجاجية
سأكتب تراجيديا يونانية
هنا في هذا المكان والزمان السافل سأكتب عن ...
والبقية بالدارجي أسخر فيها من آلهة الإغريق خاصة إله الخير وإله الشر ، وأتساءل : هل للشر إله ؟
الشعر الحلمنتيشي شعر موزون يجمع بين العامية والفصحى ، إنتشر في العصر المملوكي والذي أطلق عليه الباحثون عصر الإنحطاط الأدبي واللغوي ، وهو نوع من الشعر الفكاهي برع فيه الشاعر الكبير بيرم التونسي وهذا سبب حبي لبيرم ، ويعتمد الشعر الحلمنتيشي على السخرية والفكاهة على طريقة عبد الحليم حافظ في أغنيته الشهيرة في فيلم " ليالي الحب " مع عبد السلام النابلسي " وحقك إنت المنى والطلب .. الله يجازي اللي كان السبب " ، كما أحب شعر عمرو قطامش :
مرت بجواري حوريه
تتهادى فأسأت النية
مشاغلة لشعرائنا الأفاضل
الشعر هذا الذي فى القلب أودعه
من أودع السر بين الكاف والنون
هكذا وفى بيت واحد وبكل سهولة وجمال يمنحنا الشاعر المبدع يس الفيل هذا المعنى الرائع ويوضح لنا تلك المكانة العالية والغالية والهامة للشعر، فهو سر من أسرار الله يودعه فى قلب من يشاء ، ولذا يؤكد نجيب سرور هذه المعنى فى نهاية إحدى رباعياته بقوله:
إنهم يخشوننا فالشعر سحر
هكذا يؤكد سرور أن اختيار الله للشاعر كاختياره للنبي المرسل فالشاعر له رسالة حباه الله عن غيره بها ويؤكد سرور إيمانه بحديث الرسول الكريم ( إن من البيان لسحرا وان من الشعر لحكمة ) ، ولذا مدعى الشعر كمدعى النبوة فيدعى ما لا يملك .
ويأتي نزار ليؤكد هذه الرسالة وأن الشاعر لابد وان يكون مقاتلا مدافعا عن أمته وعقيدته ومحاربا للفساد والطغيان يقول:
الشعـر لـيس حمامات نطـيرهـا
نحـو السماء ولا نايـا وريح صبا
لكنـه غضـب طالـت أظافــره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا
هذا ما أراده نزار للشاعر والشعر بعد صدمة النكسة ، وان كان لسمير فراج رؤية أخرى حين قال فى شطر بيت من أبدع ما قيل فى الشعر العربي :
فمن القصائد حمزة وأبو لهب
أرأيتم هذا التصنيف البديع الذي غلفه التشبيه بكل ما يملك الاسمان من دلالات وتاريخ
ونأتي لمفهوم الشعر ومعناه الذي تطور بتطور الزمن واتساع المدارك وتنوع واختلاف الأحداث ، فقديما كان الشعر هو الكلام الموزون المقفى ، وهذا التعريف فى عصرنا الحالي به نقص وظلم كبير للشعرقلل من أثره ، وللعجب كان هذا التعريف سائدا فى أزمنة ازدهار الشعر لأن الشعراء انشغلوا بنسجه أكثر من انشغالهم بنسيجه ، ولكن هناك من عرفه بأنه ما أشعرك وولد فيك احساسات جميله وانفعالات وجدانية متدفقة ، وأميل إلى ما ذكره الناقد الكبير محمد مندور- رحمه الله - فى كتابه الصغير حجما والكبير قدرا " فن الشعر " حين قال:(هو وجدانية المضمون وجمالية التصوير وموسيقية التعبير ) نعم ولذا عرفت الصورة الشعرية بأنها ( تحريك الظل واستنطاق الصامت )
ولا أريد أن اشتبك مع الحداثيين النثريين ، فمن أيقن أن الشعر موسيقى لا يجهد نفسه مع من خالف ذلك وإنما يقول قولة محمد القدوسى ( من أراد أن يخرج عن قانون فليخرج ولكن بقانون ) كما فعل أصحاب مدرسة شعر التفعيلة ( الشعر الحر) فاستبدلوا البيت بالشطر وبالسطر لكن لم يخرج عن الوزن .
سؤال بريء
لماذا لا نقيم المزيد من الأمسيات الشعرية لشعرائنا ؟
سألني أحدهم : ما هي أجمل أبيات شعر قرأتها ؟
قلت له " إن تكن أنت بعيد عن يدي
فخيال الشعر يدرك النائي القصيا
إن تكن أنت بعيد في الثرى
فخيال الشعر يرتاد الثريا
إن تكن أنت جميل
فأنا شاعر يستنطق الصخر العصيا
بقلم : بدرالدين حسن علي
بين ظهرانينا شعراء أمثال : حيدر أبو القاسم ، حسين شنقراي ، عادل عوض الله ، ابراهيم سليمان " أبو ناجي" ، عبد المنعم سيد احمد ، عبد العظيم ابراهيم " جوجوي " والحارث الحاج ، ومجموع الشعراء : محمد الكاشف ، ياسر نجم و بقية العقد الفريد ، ومؤخرا بدأت علامات الشعر الحلمنتيشي في شاعر " السينيرس " محمد عبد الوهاب " أبو البنات " كأنما نحن في مجادعة بين هذا الشعر وذاك ، البعض يتضايق ويسخر من الشعر الحلمنتيشي ويصفه بأنه شعر هابط وسهل ، أنا شخصيا بدأت شاعرا حلمنتيشيا وأصدقائي زجروني ومنعوني وطلبوا مني التفرغ للمسرح والسينما ، لم أكابر واستمعت لنصيحتهم ، وفي الأسبوع الماضي هاتفت ابن خالي عبد الله عثمان بابكر المقيم في السودان وتطرق الحديث عن الشعر الحلمنتيشي ، فقال لي ما زلت أتذكر قصيدتك التي تقول في مقدمتها :
كسرت ا لقلم
كسرت المحبرة
شرائحها ملأت غرفتي
ماذا أكتب ؟
وكيف أكتب ؟
سأكتب بالشرائح الزجاجية
سأكتب تراجيديا يونانية
هنا في هذا المكان والزمان السافل سأكتب عن ...
والبقية بالدارجي أسخر فيها من آلهة الإغريق خاصة إله الخير وإله الشر ، وأتساءل : هل للشر إله ؟
الشعر الحلمنتيشي شعر موزون يجمع بين العامية والفصحى ، إنتشر في العصر المملوكي والذي أطلق عليه الباحثون عصر الإنحطاط الأدبي واللغوي ، وهو نوع من الشعر الفكاهي برع فيه الشاعر الكبير بيرم التونسي وهذا سبب حبي لبيرم ، ويعتمد الشعر الحلمنتيشي على السخرية والفكاهة على طريقة عبد الحليم حافظ في أغنيته الشهيرة في فيلم " ليالي الحب " مع عبد السلام النابلسي " وحقك إنت المنى والطلب .. الله يجازي اللي كان السبب " ، كما أحب شعر عمرو قطامش :
مرت بجواري حوريه
تتهادى فأسأت النية
مشاغلة لشعرائنا الأفاضل
الشعر هذا الذي فى القلب أودعه
من أودع السر بين الكاف والنون
هكذا وفى بيت واحد وبكل سهولة وجمال يمنحنا الشاعر المبدع يس الفيل هذا المعنى الرائع ويوضح لنا تلك المكانة العالية والغالية والهامة للشعر، فهو سر من أسرار الله يودعه فى قلب من يشاء ، ولذا يؤكد نجيب سرور هذه المعنى فى نهاية إحدى رباعياته بقوله:
إنهم يخشوننا فالشعر سحر
هكذا يؤكد سرور أن اختيار الله للشاعر كاختياره للنبي المرسل فالشاعر له رسالة حباه الله عن غيره بها ويؤكد سرور إيمانه بحديث الرسول الكريم ( إن من البيان لسحرا وان من الشعر لحكمة ) ، ولذا مدعى الشعر كمدعى النبوة فيدعى ما لا يملك .
ويأتي نزار ليؤكد هذه الرسالة وأن الشاعر لابد وان يكون مقاتلا مدافعا عن أمته وعقيدته ومحاربا للفساد والطغيان يقول:
الشعـر لـيس حمامات نطـيرهـا
نحـو السماء ولا نايـا وريح صبا
لكنـه غضـب طالـت أظافــره
ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضبا
هذا ما أراده نزار للشاعر والشعر بعد صدمة النكسة ، وان كان لسمير فراج رؤية أخرى حين قال فى شطر بيت من أبدع ما قيل فى الشعر العربي :
فمن القصائد حمزة وأبو لهب
أرأيتم هذا التصنيف البديع الذي غلفه التشبيه بكل ما يملك الاسمان من دلالات وتاريخ
ونأتي لمفهوم الشعر ومعناه الذي تطور بتطور الزمن واتساع المدارك وتنوع واختلاف الأحداث ، فقديما كان الشعر هو الكلام الموزون المقفى ، وهذا التعريف فى عصرنا الحالي به نقص وظلم كبير للشعرقلل من أثره ، وللعجب كان هذا التعريف سائدا فى أزمنة ازدهار الشعر لأن الشعراء انشغلوا بنسجه أكثر من انشغالهم بنسيجه ، ولكن هناك من عرفه بأنه ما أشعرك وولد فيك احساسات جميله وانفعالات وجدانية متدفقة ، وأميل إلى ما ذكره الناقد الكبير محمد مندور- رحمه الله - فى كتابه الصغير حجما والكبير قدرا " فن الشعر " حين قال:(هو وجدانية المضمون وجمالية التصوير وموسيقية التعبير ) نعم ولذا عرفت الصورة الشعرية بأنها ( تحريك الظل واستنطاق الصامت )
ولا أريد أن اشتبك مع الحداثيين النثريين ، فمن أيقن أن الشعر موسيقى لا يجهد نفسه مع من خالف ذلك وإنما يقول قولة محمد القدوسى ( من أراد أن يخرج عن قانون فليخرج ولكن بقانون ) كما فعل أصحاب مدرسة شعر التفعيلة ( الشعر الحر) فاستبدلوا البيت بالشطر وبالسطر لكن لم يخرج عن الوزن .
سؤال بريء
لماذا لا نقيم المزيد من الأمسيات الشعرية لشعرائنا ؟
سألني أحدهم : ما هي أجمل أبيات شعر قرأتها ؟
قلت له " إن تكن أنت بعيد عن يدي
فخيال الشعر يدرك النائي القصيا
إن تكن أنت بعيد في الثرى
فخيال الشعر يرتاد الثريا
إن تكن أنت جميل
فأنا شاعر يستنطق الصخر العصيا
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق